[٢٢‏/١، ١:٥٩ م] غادة: للمشاركة في معرض الكتاب وصول وفد الكتاب الروسي/الهرم المصرى نيوز

 

بقلم محمد سليمان 

البحث في التاريخ المصري الحديث وخاصة التاريخ الإجتماعي منه أو كما يحب أن يصفه الكاتب الكبير يوسف الشريف "التاريخ الوجداني "به متعه كبيره يشعر بها الباحث والقارئ لهذا التاريخ.

 أحدثت واقعة مقتل الراقصه إمتثال فوزي عام ١٩٣٦ م على يد أحد أفراد عصابة الفتوة فؤاد الشامي (فتوة شارع عماد الدين)  هزه سياسيه عنيفه ، ما لبث أن أدت تلك الهزه السياسية  إلى إنتهاء عصر الفتوات وهنا تكمن أهمية قضية مقتل تلك الراقصة.

وقبل أن نبدأ بسرد وقائع تلك القصه لابد من عمل إطلالة موجزه عن عصر الفتوات في مصر ، حيث انه مدخل لا غنى عنه في موضوعنا.

يذكر الكاتب /حنفي المحلاوي في كتابه الممتع ليالي القاهرة في عصر بديعة أن دور  الفتوات برز بشكل خطير  خلال الإحتلال الفرنسي لمصر  ، عندما تخاذل المماليك عن الدفاع عن مصر حيث هب الشعب بكل طوائفه للدفاع وشارك الفتوات كجزء من الشعب في مقاومة المحتل الفرنسي.

كان الفتوات في تلك الفترة  يتمتعون بالمرؤة والشرف وكانوا في طليعة  المقاومين للمحتل الفرنسي .

يقول الكاتب الكبير صلاح عيسى في كتابه رجال ريا وسكينة

" كان الفتوات فى بداية نشأتهم ينظر إليهم المصريون بإعتبارهم جيش وطني يُسَخّر قوته لحماية الضعفاء والفقراء من المصريين من تجبر وسلطة الأقوياء والأغنياء من المصريين والأجانب ".

لكن عندما خرج المحتل الفرنسي عام ١٨٠١م وجاء المحتل الإنجليزي إلى مصر عام ١٨٨٢م قام المحتل بإغراء الفتوات بالمال والحماية وهنا تحول الدور الذي كان يقوم به الفتوة من شخص يقاوم المحتل ويدافع عن الضعيف إلى شخص يعمل لحساب المحتل، ليفقد الفتوة شيئا فشيئا عطف وحب المصريين، ليتحول الأمر إلى كره وغضب كامن تجاه الفتوات. 

يذكر صلاح عيسى "أن المصريون نظروا إلى هؤلاء الفتوات على أنهم فرقه من المرتزقه تعمل لحساب الأجانب".

زادت سطوة الفتوات بعد الحرب العالمية الأولى فكانت كل أحياء القاهرة تخضع للسلطه العرفية للفتوات وكانوا يجبرون الناس على دفع الإتاوات ومن يمتنع عن الدفع ينكل به ويصبح عبرة لغيره .

كان الفتوه أحد أهم المحاور في روايات الكاتب الكبير نجيب محفوظ  وهو أفضل من كتب عن شخصية الفتوة في الحارة المصريه لأن نجيب عايشهم فظهرت الحرافيش أحد أجمل وأهم روايات نجيب محفوظ.

كان من أشهر الأسماء في عالم الفتونه كما يذكر صلاح عيسى

في كتابة الرائع رجال ريا وسكينه 

"عبده الجياشي ومرجان السقا اللذان تقاسما الفتونه في منطقة باب اللوق بينما تقاسم كلا من أبو طاجن وحسن الأسود النفوذ في منطقة الناصرية وطار صيت آخرين من بينهم حسن ابو جاموس فتوة الحنفي وإبراهيم عطوه فتوة الحسينيه وعفيفي القرد فتوة بولاق ومحمود الفلكي فتوة باب الخلق ومحمود الحكيم فتوة الكحكيين بينما توزع النفوذ في منطقة الأزهر والحسين بين ثلاثة من الفتوات وهم حسن كسله وبدوي العلاف وفهمي الفيشاوي مؤسس المقهى المعروف بإسمه حتى الآن في حي الحسين ولم يكن نادراً إذا كانت عزيزه الفحلة هي فتوة المغربلين........".

وكان فؤاد الشامي ذلك الفتوة المرعب يفرض سطوته علي 

شارع عماد الدين فكل الراقصات وأصحاب الملاهي الليلية والكازينوهات يقومون بدفع الإتاوات له .

وفي الإسكندرية أيضا كانت تخضع أحيائها للسلطه العرفية للفتوات وكان يلقب الفتوة هناك بأبو أحمد أو أبو الأحمدات.

في تلك الفترة كما يذكر عيسى حصل تزواج بين الفتوات وبيوت العاهرات سواء المقنن منها أو السري وهذا ما أدى إلى زيادة التدهور لظاهرة الفتوه، فبينما كان الفتوه في بادئ أمره مسئول عن الحفاظ عن الأخلاق بإعتباره حامى لها يذود عن نساء منطقته، تحول إلى بلطجى وبرمجي يحمي العاهرة ويتكسب من أعمالها الدنيئه .

وكان هناك صراعاً كبيراً بين الفتوات على حماية بيوت البغاء كما يذكر صلاح عيسى وأدى هذا الصراع إلى  حادثة مقتل واحد من أشهر الفتوات في القاهره الفتوة محمود الفلكي فتوة باب الخلق علي يد الفتوه محمود الحكيم فتوة الكحكيين والذي كان يتمتع بالحمايه الفرنسيه وفلت من العقاب كعادته بسبب الإمتيازات الأجنبية.

كان مقتل الراقصه إمتثال فوزي علي يد أحد اتباع الشامي القشه التي قسمت ظهر البعير فبمقتلها إنتهي فعلياً عصر الفتوات .

فما قصة الراقصه إمتثال فوزي وقصة قتلها؟

ولدت إمتثال فوزي بقرية مير التابعة لمحافظة أسيوط وإنتقلت مع الاسره من قرية مير إلى الاسكندريه.

كانت إمتثال فتاه فقيرة وعملت خادمه عند أحد الأسر اليونانيه التي تعيش بالاسكندريه .

وإن كان البعض يقول كما يذكر المحلاوي بأن إمتثال لم تكن خادمة بل كانت تتدرب علي أعمال الخياطه مع زوجة صاحب البيت اليوناني وفي ذلك البيت تعلمت إمتثال الخياطه واللغة اليونانية حتي أن من كان يسمعها تتحدث باليونانية يظن أنها من بنات أثينا لإتقانها اليونانيه ولجمالها الشديد.

كانت إمتثال فتاه طموحه رغم فقرها متمرده تتطلع لحياة الثراء والابهه.

كان الخواجه صاحب البيت كثيراً ما يتكلم أمام إمتثال عن مقهى الغزواي ذلك المقهي السكندري الذي يتلقف الراقصات الناشئات فتبقي به الراقصه حتى تلمع وتشتهر ثم تتركه الي الملاهي الفاخره بالاسكندريه أو إلى ملاهي القاهرة الفاخره  .

 وفي يوم من الأيام لم تجد الاسره اليونانيه إمتثال.

 في الصباح قام الخواجه بإبلاغ البوليس عن إختفاء إمتثال وبعد عدة آيام تم إستدعاء الخواجه وإبلاغه أن الفتاه عثروا عليها في مقهى الغزاوي تعمل راقصه.

وفي ذلك المقهي طار صيت إمتثال في كل أرجاء مدينة الأسكندريه لتنتقل بعد فتره للعمل بالملاهي الكبيره بتلك المدينة .

مالبث أن وصل صيتها بر مصر وخاصة ملاهي شوارع عماد الدين.

كانت بديعة مصابني تتلقف كل إسم لامع  في عالم الرقص للعمل في الملهى الخاص بها بشارع عماد الدين فعلى يديها تتلمذت الراقصات ببا عز الدين  وتحية كاريوكا وساميه جمال ....

ذهبت بديعه إلى الاسكندريه وتعاقدت مع الراقصه إمتثال فوزي وأصبحت إمتثال إحدى تلميذات بديعه مصابني.

 أصبح اسم الراقصه إمتثال ملئ السمع والبصر قامت بالتمثيل في بعض الافلام المصريه منها فيلم الهارب ،حظ المحب

تزوجت من المخرج والمسرحي الكبير زكي طليمات.

قررت إمتثال بعد أن نالت شهره عظيمه ترك ملهى بديعه مصابني وقامت بمشاركة الراقصه مارى منصور في كازينو البسفور بميدان باب الحديد 

ولكن في أول ظهور لها بذلك الملهى ظهر فؤاد الشامي ذلك الفتوه الذى كان يتحكم بكل المسارح والملاهي بشارع عماد الدين طلب منها دفع إتاوة شهريه بمبلغ ٥٠ ج في مقابل حمايتها رفضت امتثال الإنصياع للشامي شتمته واشتكته للشرطه التي لم تفعل شئ مع الشامي.

قرر الشامي معاقبة إمتثال لتحريضها الراقصات بعدم الإنصياع للشامي ودفع الإتاوات له  كانت امرأه شجاعه مما عرض صورة الشامي ورجاله للإهتزاز وهنا قرر الشامي أن يجعل من الراقصه إمتثال عبره لغيرها .

قام أحد رجال عصابة الشامي المدعو كامل الحريري بتاريخ ٢٢ مايو ١٩٣٦ بضرب امتثال برقبة زجاجه مكسورة في عنقها فتضرجت في دمائها وماتت في الحال.

وبعد أيام بسيطه تم قتل الراقصه عيوشه التى كانت تعمل بملهى بديعه مصابني.

وانقلبت الدنيا بمصر المحروسه وأصبح مقتل الراقصه إمتثال فوزي قضية رأي عام .

قامت الصحف أيامها بشن هجوم حاد علي الحكومة كان من بين ما كتبته الصحف ( مصرع الراقصه الحسناء البريئه 

إستهتار تام بالحكومه والبوليس والأمن العام)

وجاء في أحد الصحف( مسكينه ياامتثال دمك في عنق الحكومه يجب وضع حد لهذه الفوضى)

قام النحاس باشا رئيس وزاراء مصر ووزير داخليتها في ذلك الوقت بانتداب اثنان من رجال الداخليه ليضعا تقرير عن واقعة مقتل الراقصه وعن مسؤلية رجال البوليس.

لتكون تلك الواقعه هي أخر مسمار في نعش عصر الفتوات لينتهى عصر الفتوات علي يد الراقصه إمتثال فوزي .

تم القبض علي كامل الحريري واعترف على إيعاز فؤاد الشامي له لإرتكاب جريمته وتم القبض على الشامي وتم الحكم عليهما بالسجن لمدة ٢٠ عاما ليخرج الشامي عام ١٩٥٧ من سجنه ليخبرنا بأنه لم يكن يريد قتل امتثال وإنما كان يريد ايذائها فقط  لكن الأغرب من ذلك أن يخبرنا الشامي أنه  كان يحب امتثال فوزي وأنها عندما كانت تسبه وتشتمه يتغاضى عن ذلك رغم سطوته وجبروته.

نتساءل في نهاية تلك المقالة هل كان لبديعه مصابني دخل في مقتل الراقصه إمتثال فوزي ؟

يجيب المحلاوى ربما يكون لها دخل في ذلك .

والواقع يخبرنا بوجود تنافس شديد بين الفنانين في تلك الآزمنه وصل إلي حد المكيده ولا ننسى ما يطلق علية كيد العوالم.

 فعندما ظهرت السيده ام كلثوم ثارت السلطانه منيره المهديه وشعرت بالخطر يهدد عرشها ويقال أنها كانت تكرهها.

وعندما ظهرت أسمهان والذى يعتبرها البعض المنافس الحقيقي لكوكب الشرق  يقال إن السيده ام كلثوم خافت على عرشها وتهامس الناس وملئت مصر الإشاعات بأن لها دخل في مقتلها.

هل كان ترك امتثال فوزي لملهى بديعه سبب في مقتلها؟

 في كتاب خبايا القاهره لاحمد محفوظ مقالة عن بديعه مصابني عنوانها شارح لشئ ما العنوان( بديعه مصابني تصطاد الدراهم) أي أن جنى الأموال بالنسبه لبديعه أولويه وترك راقصه ملئ السمع والبصر الملهى الخاص ببديعه والذهاب إلى مشاركة الراقصه ماري منصور  يمثل حتماً نقصاً في الإيرادات .

ولا ننسى أيضاً العلاقه القويه بين بديعه مصابني وفؤاد الشامي.

وهل كان لقتل الراقصه عيوشه الراقصه بملهى مصابني بعد مقتل إمتثال بأيام بسيطة تمويه أُريد به إبعاد مصابني عن الشبهات والشكوك؟

كل تلك الأشياء تجعلنا نطرح تلك التساؤلات دون الجزم بشئ بخصوصها.

مراجع المقالة:-

ليالي القاهرة في عصر بديعه لحنفي المحلاوي

رجال ريا وسكينه لصلاح عيسى

خبايا القاهرة لاحمد محفوظ

ويكيبيديا وبعض المقالات على الشبكه العنكبوتية.