وزير الطيران يبحث مع رئيس الإدارة العامة للطيران المدني الكويتي تعزيز التعاون المشترك - الهرم المصرى نيوز

 

بقلم الشاعر علي أحمد 

ظهرت الكتابة السردية الحديثة من خلال القصة والرواية في القرن التاسع عشر، وانتقلت إلى عالمنا العربي، وبرع فيها كتاب كان لهم وزن الجبال، أمثال نجيب محفوظ ومحمود ومحمد تيمور، ومحمد حسين هيكل ويوسف السباعي ويحيى حقي... وغيرهم  كثير

بيد أن سيد شعبان مدرسة سردية فريدة في هذا العصر، منذ أن  كان أحد أقطاب مدرسة أدبية سرعان ما انهارت بخروج ثلاثة من أعمدتها وهم الناقد عمرو الزيات والدكتور سيد شعبان والشاعر علي أحمد، وكون الثلاثة مدرسة الديوان الجديد بعد أن أسس الناقد الأستاذ عمرو الزيات جريدة الديوان الجديد  وانضم إليه صاحباه وصارت منبرا ثفافيا وأدبيا شهد له الجميع.  

فالعالم السردي عند د. سيد شعبان عالم مغاير عما حولنا من سرد، حين تغوص في أعماق سرده تجد له عالمه الخاص، إنه يطل برأسه من ثنايا حكايته ،تشم في حكاياته رائحة سرد محفوظ، وحين تتذوقها تجد لها مذاقا خاصا، هل يقترب من السباعي أو حقي.....؟ قد ترى كل واحد من هؤلاء و يتجسد فيه،ولكن بشكل مغاير عن كل واحد فيهم ،كأن ذرات هؤلاءجميعا اتحدت لتكون لنا هذا العملاق السردي، كثيرا ما أعتقد أن شعبان هو عصارة عمالقة السرد العظام، لكن لاتستطيع أن تجحد خصوصيته، وانفرده وتميزه عن هؤلاء وهؤلاء. 

هو سارد من طراز فريد يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبين موسيقى النثر وروح الشعر، وجزالة اللفظ ومتانة التركيب وروعة الأسلوب، يغرف من بحر اللغة حيث شاء، وينحت منها كيفما شاء، وينظم عقدها متى شاء، يسعفه قاموسه اللغوي ومنجزه خياله الخصب، وتمده قريحته الواسعة  باسترسال عجيب 

يهندس الكلمات، فإذا اللفظة لاتغني عنها غيرها ولا تكتمل الجملة إلا بها، ولا يتم المعنى بسواها.

 الرمز في قصص شعبان لاتخطئه النظرة السريعة ولا الوقفة المتأملة ؛ يبث من خلاله ما يريد، يرسم في ظلاله ما يشاء ،يبعد كثيرا عن المباشرة سواء في اللفظ أو الأسلوب، يعالج قضايا مجتمعه من خلاله بطريقة الطبيب الذي يشخص الداء ويصف الدواء، لا يميل إلى التشاؤم أو السوداوية،رغم ما يحمل في جنبيه من هموم الوطن وآلام الناس ومشكلات المجتمع.

 نجد ذلك جليا في كثير  من قصصه  كما في قصة الحافلة أو قطار تائه، أو غيرهما 

ولعلك تلمح أن لوسائل الموصلات رصيد ضخم في قصصه، ربما يرمز بها عن المكان أو المدينة التي يقطنها أو الكفر الذي شغل حيزا كبيرا من تفكيره 

كمان ان للأماكن في سرده نفس المكانة تقريبا ونلمح ذلك في شارع شبرا، وكقر مجر....  مما يدل على انتمائه العميق وجذوره الأصيلة المتبحر في تربة هذا الوطن العريق 

ففي قصة قطار تائه

يسجل المتناقضات التي طرأت على المجتمع في حالة رمزية عجيبة، كما يبرز مدى الحنين إلى الماضي الجميل (اقتربت منها قائلة:  وصل قطار الخامسة، اعترتني الدهشة، تدق عقارب ساعة جامعة القاهرة معلنة التاسعة من  صباح يوم صيفي  لافح....الآن تذكرت تلك المرأة كانت تجلس دائما قبالتي، إنها الفتاة الجميلة التي كتبت لها أبيات الشعر، أحببتها، نعم هذا مؤكد، أحقا هي لمياء؟) 

ثم يسجل مدى الاستهانة بالعلم والعلماء، وكيف تدنت نظرة الناس لهم، بعد أن حلت أشياء أخرى محل العلم، وأصبح اهتمام الناس  بكل شيء إلا العلم (في مرة سابقة قابلت رجلا ساذجا، هذا ما تبادر إلى ذهني، كان يمسك بقلم ألوان يرسم نخلة على جدار المصلحة ثم يطلب مني أن أصعد وآتيه بعنقود عنب، لم أتمالك نفسي من الضحك، ثم تبين لي حين اجتمع حوله المارين بأنه يجري تجربة عملية، إنه باحث في الجامعة.) 

  يوضح حالة الذهول التي يعيشها المجتمع والتغيب العقلي، وأثر الذكاء الاصطناعي على البشرية، وجفاء العلم وهجر العلماء 

وكيف حلت أشياء أخرى لاقيمة لها في أذهان البشر حتى أضحت هي الأساس، كأن عقول الناس مسخت وقلوبهم بدلت وأرواحهم تغيرت، فتبدلت القيم، وانشغل الناس بسفاسف الأمور، فاهتموا بالغث وتركوا كل سمين.

لقد تبدلت أحوال البشر عن العقد الماضي، هذا العالم المتسارع المتناقض في كل شيء، حير العلماء والأدباء، المدينة طاحونة تطحن البشر برحاياها، لاشيء كماكان من قبل، جفت الروح وحلت المادة، فتجمدت المشاعر، وتبيبست الأحاسيس، تجلمدت القلوب، كأن البشر تروس ضخمة في آلة صماء.

(هذا أمر محير، منذ عقد من الزمان، تنتظر قطار الخامسة، أظنه لم يعد يقف في محطته التي نزلنا فيها، تفلت منها أكملت رحلة العودة إلى المدينة التي بلا قلب.) 

فكأنه يسأل نفسه من التائه فينا أنا أم المجتمع العصري الذي أعيش فيه؟

فحينما يختلط الحابل بالنابل ويتغير كل شيء حولنا لايدرك الإنسان إن كان مخطئا أم مصيبا والناس مخطئون، خاصة في هذا العالم التكنولوجي المتسارع بقوة الصاروخ الهيدروجيني.

الحنين إلى الماضي،  يطغي على كتابات سيد شعبان، يكاد يغرق جل أعماله، لا أنسى أنه استلهم حكايات الدراويش والمجاذيب من ذلك الزمان الوردي، لم يمنعه ذلك من أن يسطر حكايات أبي سويلم، وصفحات من حياة أبي، وحكايات جدتي، كأنه يهرب من هذا العصر الحجري إلى العصر الوردي، ذلك الحنين الذي يلازمه في كل كتاباته، وفي قطاره التائه أيضا يقول (تسألني عن قطار الساعة الخامسة، تذكرت أنني حين كنت في الجامعة كنت أركب هذا القطار من محطة مصر رصيف ١٩.

 أمكث فيه مايقارب أربع ساعات. أترك مقعدي، أتحرك بين العربات، ادير حوارا مع الركاب لم تعد شائعة إلا تناقلناها.

 أتصفح الجرائد التي يتناقلها القراء من مقعد لآخر، لم يعد فيها ما يغري بالتسلية.) 

تلك بعض الملامح التي سجلت على عجالة من خلال كتابات د. سيد شعبان، وخاصة مجموعته القصصية قطار تائه