تشديد الرقابة على المطاحن ومحطات الوقود بسوهاج لضمان جودة الخبز وحماية الدعم - الهرم المصرى نيوز

 

بقلم /محمد سليمان

يقول بورخيس في قصيدته المُلك المستعاد

"لا أحد يدرك جمال الدروب المألوفة، حتّى تنهار".

ما أصعب تلك الكلمات التي يترنم بها بورخيس ، وما أصدقها إنها كلمات يشعر بها كل إنسان لم يرى الجمال والنعمة إلا بعد الفقد والزوال.

كثيرون منا لا يشعرون بجمال الأشياء التي يمتلكونها، لإعتيادهم عليها لكن حين تنهار تلك الأشياء ، حينما تصبح من الذاكره ، يشعر حينها المرء بفداحة ومرارة الخسران.

يشعر بها مثلاً المريض، بعدأن تذهب الصحه ويشعر بها الهَرِم، بعد أن يذهب عنفوان الشباب، حينما يتسلل الكبر حين يشيب الشعر وينحنى الظهر.

ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم 

"نعمتان مغبون(مخدوع) فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ".

أحين أنشد بورخيس ذلك البيت تذكر نعمة البصر التي تسربلت شيئا فشيئاً من بين يديه ولم يتبقي له حتي بصيص من نور.

كل الألوان إنمحت من عينيه، إلا اللون الأصفر ،ذاك اللون المفضل لمحبي الكتب القديمه، وكان بورخيس أحد أعظم القرآء في تاريخ البشريه .

وكأن تلك الأشياء التي نحبها يظل طيفها هو الباقي ،تصبح عصيةً على الإنهيار أو النسيان.

حينما أصيب الروائي الكبير غابريال ماركيز بفقدان الذاكرة دخل عليه أحد أقرب أصدقائه إليه قال له ماركيز أنا لا أتذكر أُسمك لكن كل ما أعرفة أني أحبك. 

المعتاد والمألوف لا نعرف قيمته جماله إلا بعد الفقد هذه هي الرساله الذي يريد إرسالها بورخيس .

يقول بورخيس في مقطوعة أُخرى

"كان ذلك في الصحراء الأولى.

ذراعان قذفتا حجراً كبيرا .

لم يكن ثمة صراخ بل دم. 

إنه فعل الموت أول مره

وما عدت أذكر البادئ :هابيل أم قابين؟".

في الحياة الأولى كانت أول جريمة قتل ،كانت النار التي إشتعلت في قلب حواء الأم ،لو كان بيدي لقمت بتغيير بسيط في قصيدة بورخيس ،ولأبدلت لفظ الموت بلفظ القتل ، رغم شناعة اللفظ .

إنه فعل القتل أول مره.

عندما ضرب قابيل هابيل بالحجر، تناثرت الدماء على وجه القاتل ، وكان الإرث المؤلم للبشريه، من يومها هناك قاتل وهناك مقتول، هناك ظالم وهناك مظلوم .

كان قابين القاتل الأول، وكل قَتلٍ من خلفه يحمل قابين كِفلاً (وزراً ) منه.

في شرعنا هابيل توقف عن بسط اليد لقتل أخيه، لم يواجه عدوان أخيه بعدوان مماثل.

"لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين"

وهذا يدحض ما يراه بورخيس من تساؤله عن من البادئ.

لكن السؤال الأهم في نظرى نحن أبناء من القاتل أم المقتول؟ الظالم أم المظلوم؟ نحن نرث أمشاج من قابين أم هابيل؟

الأقرب إلي الحقيقه أننا أبناء القاتل قابين أو قابيل.

في الظلمة ....

ظهر طيف وجه شاحب ،

يحمل جثة أخيه على كتفيه ،

يسير ببطء بذهول لا يدرى ما يفعل،

هائماً على وجه لا يدرى كيف يوارى الجسد الطاهر،هل شعر حينها بالأسى؟ هل شعر بالحسرة ؟ أم كان قلبه كحجر من صوان أو بالأحرى أقسى من الحجر الصوان .

"وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء"

هو فعل القتل الأول في الكون ، هو أول موت في الأرض ،

العجز والجهل والهوان ثمة الإنسان الظالم ،بل هو ثمة الظالم الأول في دنيا البشر، 

القاتل الأول للنفس وللرحم .

يبعث له الله غراباً ليريه كيف يواري سوأة أخيه، ليريه جهله وظلمه وظلامه الأبدي.

يخبرنا الله عز وجل أن قابين أصبح من النادمين لكن سياق الآيات كما يقول بعض العلماء أنه ندم عن جهله لموراة جثمان أخيه وحمله إياه فترة من الزمن ، والبعض يقول أنه ندم وأصابته الحسره خوفا من ردة فعل والديه ندم على غربته واغترابه الملازمتين لفعله الآثم لكنه لم يندم على فعل القتل كما يقول الكثيرون.

في النهاية كان بورخيس عظيم المعرفه، قارئ موسوعي كاتب وشاعر يتكلم كثيراً من اللغات ، كان يرى أن الجنة ما هي الا مكتبة كبيرة.

كان دائما ما يفخر بأنه قارئ يقدم فعل القرأه على ما سواه.

يقول أعتبر نفسي أولاً قارئاً، ثم شاعرا ، ثم كاتب نثر...

وكان يؤكد هذا المعنى حينما قال

فليتباهي غيري بما وضع من كتب، أنّا لي أن أتباهي بالكتب التى قرأتها.

كان مغرما بالكتب يقول 

هناك من لا يستطيع تخيل العالم بلا طيور ، وهناك من لم يتخيل العالم بلا ماء ، أما بالنسبة لي فأنا غير قادر على تخيل العالم بلا كتب.

لكن رغم ذلك وقع في حبائل الصهيونيه ، كان مؤيداً لكيانهم البغيض المجرم الدموي، تحصل على جائزة القدس من الكيان .

هل كان يناقض بورخيس نفسه حين قال أنا لا أومن بالسياسة ولكن أومن بالاخلاق ؟

أي أخلاق تلك التى أمنت بها هل هي أخلاق إنتزاع الأرض من أصحابها وإعطائها للصوص الأرض لقتلة الانبياء والعجائز والنسا والطفل.

الفلسطينيون هم مِلح الأرض ، هم أصحابها والأرض دائماً ما تقف مع أصحابها ، لكنها في بعض الأوقات ترتوى ببعض الدماء كقربان لابد من دفعه لتلك الأرض المقدسه.

حينما فقد بورخيس بصره وأصيب بمرض العمى الحقيقه أنه أيضاً فقد بصيرته .

ما أصعب أن يصيبك عمى البصر لكن المصيبه أن يصيبك عمى القلب (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى في الصدور)

الحريه لفلسطين ولتسقط الصهيونيه.