دار الكتب تعلن عن الإطلاق التجريبي لخدمة الإيداع القانوني إلكترونيا - الهرم المصرى نيوز

 

د.صفاء عبد الحميد 

دكتوراه الامومة والطفولة والرعاية الاسرية 

مدرب تطوير الذات وبناء الشخصية 

💬 هذا المقال إهداء لكل من يهتم بكبار السن… ولكل من يؤمن أن لكل عمر حقه في الاحترام والاهتمام والدعم النفسي.

هل توقفنا يومًا لنسأل أنفسنا: ما الذي يجعل كبارنا يبتسمون من قلوبهم؟

لا المال، ولا الصحة وحدها… بل ذلك الإحساس العميق بالقيمة، ذلك الإحساس الذي يقول للمسن: "أنت ما زلت مهمًا… ما زلت تنتمي إلينا".

إن ما يملأ أعين كبار السن بالدموع أحيانًا ليس الألم، بل الشعور بأنهم أصبحوا على هامش الحياة… بعدما كانوا نبضها.

وبينما يسعى العالم لتوفير الرعاية الجسدية لهم، يغفل كثيرون عن ذلك الحاجز الخفي الذي يحجب سعادتهم: تقدير الذات.

في عام 2019، أجريت دراسة شملت 200 مسنًا ومسنة، ممن يعيشون في كنف أسرهم وممن يقيمون في دور الرعاية.

وكان السؤال الرئيسي الذي انطلقت منه الدراسة: ما العوامل المرتبطة بالسعادة النفسية لدى كبار السن؟

أظهرت  النتائج أن لتقدير الذات تأثيرًا يتفوق على عوامل أخرى مثل الصحة الجيدة، ونمط الحياة، والراحة المادية، والمساندة الاجتماعية، ونمط الشخصية، في تعزيز السعادة النفسية لدى كبار السن.

فالأشخاص الذين يشعرون بقيمتهم، سواء من خلال أدوارهم الاجتماعية أوالاحترام الذي يُمنح لهم، هم الأكثر سعادة واتزانًا نفسيًا.

ولأن تقدير الذات ليس مجرد شعور عابر، بل هو مفتاح للصحة النفسية، ومصدر للطاقة الإيجابية، وأساسًا للتوافق الاجتماعي.

هذا ما دفعني لأن أعي أهمية بناء وتعزيز تقدير الذات عند الأطفال، لأن غرس هذا الشعور منذ الصغر ومن جذوره هو السبيل لضمان حياة نفسية سعيدة ومتوازنة في المستقبل.

ما هو تقدير الذات؟ ولماذا هو بهذه الأهمية؟

تقدير الذات هو ما يعتقده الإنسان عن نفسه، وما يشعر به تجاه ذاته من قيمة وأهمية.

هو الإحساس بالجدارة، بالقدرة على العطاء، بالاستحقاق حتى وإن شابت الرأس.

حين يشعر المسن أن له دورًا، أن هناك من يسمعه، ومن يقدّره، يزداد تمسكه بالحياة، ويشعر بالطمأنينة.

مظاهر ضعف تقدير الذات عند كبار السن: صمتٌ مؤلم

حين يتراجع هذا التقدير، تظهر علامات لا تُخطئها عين:

• انسحاب اجتماعي وعزلة اختيارية.

• شعور بعدم الجدوى، وكأنهم "انتهوا".

• فقدان الهوية بعد التقاعد.

• تجاهل من الأبناء أو المحيط الاجتماعي.

• نظرة داخلية صعبة، تفسد حتى لحظات الفرح.

كيف نعيد إليهم تقديرهم لذواتهم؟ خطوات بسيطة بأثر عظيم

• أن نصغي إليهم بصدق: فالإصغاء احترام.

• أن نستشيرهم: ولو في أبسط الأمور… رأيهم مهم.

• أن نكرّمهم علنًا: كلمات التقدير ليست مجاملة، بل علاج نفسي.

• أن نشاركهم في الحياة اليومية: نخرجهم من عزلة التقاعد إلى نشاط العطاء.

• أن نذكرهم بإنجازاتهم: نُحيي فيهم ذكريات النجاح بدلاً من تركهم أسرى الندم.

 *~تقدير الذات عند الأطفال: البداية الحقيقية لشيخوخة سعيدة*~ 

من خلال عملي في تنمية الشخصية، أدركت أن بناء تقدير الذات لا يبدأ في الشيخوخة، بل في الطفولة.

الطفل الذي يشعر بقيمته، ينمو بثقة، ويكوّن تصورًا إيجابيًا عن نفسه، ويقاوم الرفض

 أوالإهمال في المستقبل.

العائلة التي تكرم كبارها، تربي أبناءً يحترمون أنفسهم ويحترمون الآخرين.

الطفل الذي يرى كيف يُحترم جده وجدته، سيحترم ذاته عندما يبلغ سنهم.

إننا، عندما نزرع تقدير الذات اليوم في قلوب أطفالنا، نضمن لهم غدًا سعيدًا في شيخوختهم.

 *_الكبار ليسوا عبئًا… بل كنزًا*~_ 

من يمنح كبارنا شعورًا بأنهم ما زالوا جزءًا حيًا من الحياة، يمنح نفسه درسًا في الإنسانية.

فلنربِّ أطفالًا يشعرون بالقيمة، ليصبحوا مسنين سعداء لا منسيين.

فالسعادة النفسية ليست حكرًا على عمر معين، بل هي ثمرة ما نزرعه في أرواحنا منذ الصغر.

وهذا المقال… دعوة لأن نبدأ الزراعة الآن.