وزير الطيران يبحث مع رئيس الإدارة العامة للطيران المدني الكويتي تعزيز التعاون المشترك - الهرم المصرى نيوز

 

بقلم / د . حنان ضيف احمد 

استشاري تخاطب

مقدمة

التواصل الإنساني هو حجر الأساس لكل العلاقات الاجتماعية، والتعليم، والنمو النفسي والعقلي. ومنذ لحظة ولادة الطفل، يبدأ في التعبير عن احتياجاته من خلال البكاء، ثم تتطور هذه المحاولات تدريجيًا لتصبح كلمات، جمل، ثم حوارًا متكاملًا. لكن، ماذا لو لم تظهر هذه المهارات في الوقت المتوقع؟ هنا تظهر أهمية علم التخاطب، الذي أصبح من أكثر التخصصات الحيوية المرتبطة بصحة الطفل النفسية، والاجتماعية، والتعليمية.

أولًا: ما هو علم التخاطب؟

علم التخاطب (Speech and Language Pathology) هو أحد فروع العلوم التطبيقية، ويختص بتشخيص وعلاج وتأهيل اضطرابات النطق والكلام واللغة والبلع والصوت. ويشمل هذا العلم التعامل مع فئات مختلفة من الأطفال، مثل:

الأطفال الذين يعانون من تأخر لغوي.

حالات اضطرابات نطق (مثل اللدغة والتأتأة).

الأطفال ذوي اضطرابات النمو مثل التوحد أو متلازمة داون.

من لديهم صعوبات في الفهم والتعبير.

حالات ما بعد إصابات الدماغ أو الشلل الدماغي.

ثانيًا: متى تبدأ ملاحظة المشكلة؟

غالبًا ما تبدأ علامات اضطرابات التخاطب في الظهور خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل، وهي المرحلة الذهبية لتطور اللغة. من أبرز العلامات التي يجب أن ينتبه لها الوالدان:

عدم إصدار أصوات من الطفل في الشهور الأولى.

تأخر في نطق أولى الكلمات بعد عمر السنة ونصف.

ضعف في تكوين الجمل أو استخدامها.

صعوبة في نطق بعض الحروف بشكل مستمر بعد سن الرابعة.

تكرار الأصوات أو الكلمات (التأتأة).

تجاهل الطفل للغة المحيطة أو عدم الاستجابة للأوامر.

هذه العلامات لا تعني بالضرورة وجود مشكلة كبيرة، لكنها مؤشرات تستحق المتابعة والتقييم المهني.

ثالثًا: أهمية التدخل المبكر

التدخل المبكر لا يعني فقط تحسين النطق، بل يشمل تحسين قدرة الطفل على الفهم والتفكير والتفاعل. فالدراسات تشير إلى أن السنوات الأولى من حياة الطفل هي الأكثر تأثيرًا في تشكيل قدراته اللغوية والاجتماعية، وأن التأخر في التدخل قد يؤدي إلى:

ضعف في التحصيل الدراسي لاحقًا.

صعوبات في بناء علاقات اجتماعية.

ضعف الثقة بالنفس.

مشاكل سلوكية ناجمة عن الإحباط وعدم القدرة على التعبير.

رابعًا: دور أخصائي التخاطب

أخصائي التخاطب لا يعمل فقط مع الطفل، بل مع الأسرة والمدرسة أيضًا، لبناء بيئة داعمة تساعد على تحسين المهارات. من مهامه:

تقييم شامل لحالة الطفل من خلال اختبارات لغوية وسلوكية.

وضع خطة علاج فردية مبنية على نقاط القوة والضعف.

تقديم جلسات تفاعلية تعتمد على اللعب والتكرار والتدريب السمعي والبصري.

تعليم الأسرة استراتيجيات لمساعدة الطفل في المنزل.

التعاون مع المعلمين إذا كان الطفل في مرحلة دراسية.

خامسًا: الفرق بين التأخر اللغوي واضطراب اللغة

من الأخطاء الشائعة الخلط بين "التأخر" و"الاضطراب":

التأخر اللغوي: يعني أن الطفل يسير في نفس مراحل تطور اللغة الطبيعية، ولكن ببطء. وغالبًا ما يكون نتيجة عوامل بيئية أو نقص في التحفيز، ويستجيب بسرعة للتدخل.

اضطراب اللغة: يعني خللًا في تطور اللغة نفسها، سواء في الفهم أو التعبير، وغالبًا ما يكون مصاحبًا لاضطرابات أخرى مثل التوحد أو الإعاقة الذهنية، ويتطلب خطة علاج طويلة الأمد.

سادسًا: التخاطب وتأثيره على بناء شخصية الطفل

اللغة ليست وسيلة للتحدث فقط، بل هي وسيلة للتفكير، لحل المشكلات، للتعبير عن المشاعر. فالطفل الذي لا يستطيع التعبير عن احتياجاته قد يُصاب بالإحباط، ويظهر ذلك في شكل بكاء مستمر، أو انسحاب اجتماعي، أو سلوك عدواني. بينما الطفل الذي يمتلك لغة قوية، يستطيع بناء علاقات، الدفاع عن نفسه، والمشاركة الفعالة في المجتمع.

سابعًا: التخاطب والتعليم

المهارات اللغوية هي مفتاح النجاح الأكاديمي؛ فهي أساس تعلم القراءة والكتابة وفهم التعليمات داخل الفصل. لذلك فإن دعم الأطفال لغويًا في المراحل الأولى من التعليم ليس ترفًا، بل ضرورة تربوية.

خاتمة

في عالم سريع التغير، يصبح امتلاك الطفل لمهارات تواصل فعّالة ضرورة لا غنى عنها. وعلم التخاطب، بما يوفره من تشخيص دقيق وخطط علاج مدروسة، هو أحد أهم الأدوات التي يمكن أن تمنح الطفل فرصة متساوية في التعبير والنجاح والاندماج. فلنمنح أطفالنا فرصة ليُسمَع صوتهم بوضوح، لأن كل كلمة يقولونها، هي لبنة في بناء مستقبلهم.

د . حنان ضيف احمد 

استشاري تخاطب