هدية يكرم موسى اسد تموين شبراخيت والبحيرة وفخر مركز كوم حماده - الهرم المصرى نيوز

 

بقلم / منار جمال صلاح

أخصائية التكامل الحسي وتنمية المهارات

هل تساءلت لماذا يصرخ طفلك عندما تقوم بلمسه؟ هل تساءلت حول وضع يديه علي أُذنيه عند سماع أصواتاً قد تبدوا عادية بالنسبة لك؟ ولماذا يغمض عينيه عند التعرض للضوء؟ قد نظنها سلوكيات مزعجة ولكنها في الحقيقة دلائل هامة قد تدل علي وجود اضطراب في التكامل الحسي.

هنا سوف يتم تعريفك عن التكامل الحسي وأهميته.

ما هو التكامل الحسي؟

هو العملية التي يقوم بها الدماغ بتنظيم وترتيب المعلومات التي تأتي من الحواس المختلفة، مثل السمع والبصر واللمس والشم والتذوق والتوازن والحركة. عندما تعمل هذه العملية بشكل سليم، يتمكن الطفل من الاستجابة بطريقة مناسبة للمثيرات من حوله.

البعض يعلم أن الانسان لديه خمس حواس فقط ولكن في الحقيقة لدينا ثمان حواس وهما (السمع والبصر واللمس والشم والتذوق) وهذه تسمي حواس خارجية، أما الحواس الأخري تتمثل في (الحس الدهليزي وهو المسؤول عن التوازن، والحس العميق وهو المسؤول عن الإحساس بالجسم، والحاسة الحشوية وهي المسؤولة عن الشعور بما يحدث داخل الجسم مثل الجوع والعطش والحاجة للذهاب إلى الحمام..) وهذه الحواس تسمى حواس داخلية.

كيف يظهر اضطراب التكامل الحسي؟

تختلف الأعراض من طفل لآخر. فهناك من يكون حساساً بشكل زائد، مثل طفل ينزعج من أصوات خفيفة أو ملمس معين للملابس أو حتي من لمس الآخرين، وهناك من يعاني من نقص في الاحساس، فيبحث عن المثيرات الحسية بشكل مبالغ فيه، مثل القفز أو الاصطدام بالأشياء فقط لأنه يريد أن يشعر بجسده، فنجد هذا الطفل يُحب الاحتضان بقوة. وغيرها من الأعراض الأخري.

العلاقة بين اضطراب طيف التوحد والتكامل الحسي:

يُلاحظ أن نسبة كبيرة من أطفال التوحد يعانون من مشكلات حسية، وتظهر هذه التحديات في صعوبات التواصل، والسلوكيات التكرارية، أو حتي في طريقة اللعب والتفاعل مع البيئة. 

من هنا تأتي أهمية العلاج بالتكامل الحسي لتحسين جودة حياة الطفل وأسرته.

ما هو العلاج بالتكامل الحسي؟

هو علاج يشمل أنشطة منظمة تُستخدم فيها أدوات وألعاب حسية تساعد الطفل علي تنظيم حواسه. كالأراجيح الخاصة، والأدوات التي تعتمد علي الضغط العميق، وادوات تشمل ملامس مختلفة وغيرها من الأدوات التي تساعد الطفل في حل مشكلته. يتم تقديم هذه الأنشطة ضمن خطة فردية منظمة بإشراف أخصائي مُدرب.

كيف غير التكامل الحسي حياة بعض الأطفال؟

الحالة الأولي: من "جثة هامدة" إلي طفل يرى النور:

قصة أمل مع التكامل الحسي

في إحدي الجلسات استقبلت طفلاً تم تشخيصه بشلل دماغي مصاحب باضطراب طيف التوحد. كانت الأم تقول أن ابنها عباة عن جثة لا يسمع، لا يري، لا يشعر بشئ، نائم طوال الوقت.

لم يكن الطفل ينتبه لأس نوع من المثيرات: لا يستجيب للضوء، ولا يحرك رأسه تجاه الأصوات، ولا يٌبدي أي تفاعل حسي أو حركي. كان أقرب إلى الجمود التام، وهو ما جعل الأسرة تظن أنه فقد البصر.

بعد إجراء التقييم الحسي تبين أن الطفل يعاني من خلل في التكامل الحسي، خصوصاً في الحواس الأساسية مثل الحس العميق والبصر والسمع. بدأنا برنامج مكثف، يدمج بين أنشطة الإحساس العميق ( مثل الضغط، لف المومياء، والتمارين التي تعطي تغذية راجعة للجسم)، إلى جانب التنبيه البصري التدريجي باستخدام أضواء ملونة والليزر.

وبعد العمل المكثف مع الطفل، ظهرت أولى علامات الأمل:

أصبح الطفل يتتبع الإضاءة حتي وإن كانت بعيدة أو ضعيفة، حتي أنه بدأ يشعر بجسده بشكل تدريجي، وأصبح يُظهر استجابات حركية، كما بدأ يتفاعل بشكل ملحوظ في جلسات العلاج الطبيعي. والأجمل من ذلك، أنه بدأ يدرك من حوله وهي لحظة وصفتها الأم بأنها " لأول مرة ابني يعرفني ".

الحالة الثانية: حين يكون اللمس مؤلماً... والمشي مستحيل:

من بين الحالات التي تركت أثراً عميقا في نفسي، وهي حالة طفل مصاب بالشلل الدماغي مصاحب بالتوحد. كان يخضع للعلاج الطبيعي وجلسات التخاطب منذ سنوات، لكن بدون فائدة.

عند تقييمه حسياً تبين أن الطفل يعاني من حساسية زائدة في اللمس، والسمع، وحتي الحس العميق، مما جعله يرفض أي تدخل بدني سواء من الأهل أو الأخصائيين. 

بدأنا جلسات التكامل الحسي ببطء، وبحذر مع أنشطة مُصممة خصيصاً لمساعدته علي تقبل اللمس تدريجياً، وتقوية الإحساس بجسده من الداخل. وبعد فترة من الاستمرار والثبات، حدث التغيير الذي طال انتظاره:

بدأ الطفل يتقبل اللمس دون انزعاج، ومع دعم جلسات العلاج الطبيعي، تمكن من الوقوف ثم المشي وحده، وهي اللحظة التي بكيت فيها فرحاً وكأنه ابني الذي انتظرت طويلاً لكي أرى تحسنه.

هذه القصة وغيرها كثير، تؤكد أن التكامل الحسي هو الأساس الذي يُبنى عليه تدخلات أُخري، وأن الطفل لا يمكن ان يتقدم في العلاج الطبيعي أو التخاطب إذا كانت حواسه في حالة فوضى. 

وأخيرا الأمل لا يجب أن يٌفقد مهما بدا الواقع صعباً في البداية.

شكراً لكل أم بتحاول تنقذ ابنها، شكراً لأمهات أطفالي الذين يُثبتون لي دائماً أن الصبر هو بداية الأمل، شكراً لصمودكم رغم البلاء والشقاء لديكم.