في إطار مبادرة "حياة كريمة" التي تنظمها وزارة التضامن الاجتماعي - الهرم المصرى نيوز

 

كتبت : سارة صلاح 

الأب ذلك الكيان العميق الذي من صلبه وصلابته تستقيم الأسرة ومن صلابة واستقامة أسرته تستقيم البلدة، ومن صلابة بلدة وبلدة يستقيم المجتمع ككل. الأب الذي كان هو باب البيت الحجري الصلب الذي لا يستطيع أن يخرقه أحد أو يتعدى رأيه على أسرته أحد. فهو من يقوم على أسرته، من يوفر لهم الحياة والكرامة والعزة وحائط منيع وشديد أمام أي عاصفة إنسانية من عواصف المجتمع. هل ما زال هذا الأب موجودا، هل ما زال يقوم ويسعى لأداء هذا الدور أيا كانت الظروف وأيا كانت الأسباب والمبررات لفعل عكس ما خلق لأجله وما أوجده الله له!!؟

 ـ فالبدخول إلى عتبات الحياة الأسرية بعد الطلاق وإذا تعمقنا أكثر و دخلنا إلى ابواب محاكم الأسرة المصرية سنجد مهازل أشبه بالآلات الحادة المسنونة تجاه رقاب أطفال كانوا قبل يوم واحد نائمون أمام أبيهم هذا فى فراشهم ساكنين مطمئنين .. أخرج بيده أمهم من البيت !!!! أو خرجت هى نتيجة المشاكل المسموع عنها و التى هرمنا من سماعها وتكرراها و التى لن أتطرق إليها هنا ليس لعدم أهميتها و لكن تحيزا و إصراراً على أهمية الأطفال ، وأهمية المسؤلية ، ولعدم وجود أى مبرر للتخلى عنها مهما كانت الأسباب أو المبررات .

فإن كان الطفل هو البذرة الأساسية و الأصلية التى ينشأ منها المجتمع . هذا المجتمع الذى بإنشاء طفل سوى متزن يعلم احتياجاته و واجباته سيصبح أكثر قدرة على التقدم و الرقى . فكيف لطفل منزوع الهوية تم التخلى عنه بمنتهى الأريحية أن يبنى مجتمعا و هو نفسه ناقص البناء ؟! ، فاقد الاساسات الصلبة ؟! .

كيف لنا أن نرى مصر بلدا تتقدم و نحن نحمل داخل المجتمع قنابل موقوتة _على أكثر الاحتمالات _ستنفجر فى وجوهنا بعد عشر سنوات من الأن نتيجة تلك العلاقة المشوهة بينه و بين أبيه ( أصل وجوده ) . 

ستبذل الأم قصارى جهدها لتمضى بالمركب إلى بر الأمان . و لكن من سيأتى إلينا فى المجتمع !!! . رجال كبروا بدون نموذج سوى لأب سوى .. فمن من يقتبسوا التصرفات السوية ؟!!

أم فتيات كبرن بدون سماع كلام اللطف الأبوي الحانى عليهن !؟  مشتاقات متعطشات للكلام المعسول و اللطيف الذى طالما إشتاقت له فى صغرها و لم تجده فأصبحت كالأرض المشققة الصارخة فى صمتها على قطرة مطر واحدة .

كيف لعلاقات مثل هذه أن تكون . نتخيل جميعا هذا الكم من المشكلات المتصاعدة و التى لن تكون إلا جذورا لمشكلات أكبر و أكبر . ألا نحمى أطفالنا  . ألا يحمى القانون الأطفال من عبث الأب بنفقاتهم و تأجيلها و الفرار من دفعها أو بالعبث برؤيتهم أو رعايتهم . ألا يتم إجبار هذا النوع من الأباء على تسخير نفسه لأبنائه مهما كان حتى يقفوا ثابتين على أقدامهم التى تكبر يوما بعد يوم ؟ 

من أين أتى هؤلاء الأباء بكل هذا الكم من المبررات للتخلى و الخذلان ؟ . مبررات أغلبها يخص بها كراهيته للأم و التى لا ننكرها عليه طالما مشاعره و لكن ما تفعله مع أطفالك يا سيدى هو أكبر دليل أن زوجتك لم تكن مخطئة .

إن الأم و الأب المكونان الرئيسيان للأسرة ، و من اللحظة الأولى لتعارفهم و تقبل كلاهما لفكرة الزواج و تكوين أسرة ، أصبح ليس خيارا لهم بل إلزاما عليهم تقبل مسؤوليات هذه الأسرة وإعلاء مصلحة الطفل على مصلحة أى فرد أخر لأنه بإبسط الكلمات ( لا حول له و لا قوة ) . تلزم الأم بالرعاية البيتية و النفسية ويلزم الأب بالرعاية المادية و البنائية خارج المنزل . فلا تأتى الأم بعد الطلاق و تقول لا شأن لى بكل هذه الأعباء و لا يأت الأب ويقول ( أنا مش مكنة ATM) !! من أين أتى هذا المصطلح الفقير الذى يحول إنفاق الأب على أبنائه إلى الناحية المادية فقط . فما كان الله ليلزمك بها عزيزى الأب لو لم تكن ذات أهمية قصوى أكثر بكثير من مكنة ال ATM . الإنفاق عزة للطفل  ، الإنفاق رأس مرفوعة و يد لا تمد لغريب ينفق عليها حتى لو كان الجد . الإنفاق هو تلبية الاحتياجات الظاهرية للطفل لتشبع احتياجات نفسية داخلية مثل الاحتياج للقوة ، السند ، الأمان و الدعم  . ألا يرى أنه ذليل محتاج و إلا كان المتسولين أسعد الناس . 

عزيزى الأب ذو الإبن اليتيم أما حان الوقت أن تدرك خطورة ما تفعل ؟. أما حان الوقت أن تدرك أن إبنك يحتاج لمالك لا لمال جده أو خاله أو أحد أقاربه ؟ . أما حان الوقت أن تدرك أن مالك عزة و كرامة و أن العوز و الذل الذى تضع فيه إبنك لن يعود على أحد بخير . أما حان الوقت أن تدرك أن الزوجة ذهبت بخيرها أو بشرها أما إبنك باق فلمن تتركه ؟ . يا سيدى إن الجانب النفسي لإنفاق الأب على أبنائه يفوق بمراحل هذا الجانب البسيط الذى يلبيه له أى شخص يراه فيعطيه من جيبه مالا . سبحان الله العلى العظيم حين قال " أطعمهم من جوع و أمنهم من خوف " .