دار الكتب تعلن عن الإطلاق التجريبي لخدمة الإيداع القانوني إلكترونيا - الهرم المصرى نيوز

 

                                                               كتبت / آية أحمد محمود خليفة

  مدرس مساعد- قسم الفقه-

 بكلية الدراسات الإسلامية والعربية 

 بنات بالقليوبية

الحياء خُلق عظيم، وجزء لا يتجزأ من طبيعة الإنسان السوي، وقد جعله الإسلام زينةً ووقارًا للإنسان، وخص به المرأة بمزيد من الاهتمام؛ لما فيه من حفظ للكرامة، وجعل حياءها دليلًا على عفتها وصلاحها.

تعريف الحياء: الحياء لغة: هو الانقباض والتنزه عن القبيح، وهو ضد الوقاحة. 

والحياء شرعًا:  هو خُلق يبعث على اجتناب القبيح من الأقوال والأفعال، ويمنع من التقصير في حقوق الآخرين. [المحكم والمحيط الأعظم،  3/ 399، وفتح الباري لابن حجر 1/52].

الحياء في القرآن والسنة: امتدح القرآن الكريم حياء ابنة شعيب عليه السلام فقال تعالى:  {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا.....} [سورة القصص: من الآية 25].

قال الطبري: تمشي على حياءٍ من موسى عليه السلام، بعيدة عن البذاءة أي السفاهة والفحش في المنطق وإن كان الكلام صدقًا. [تفسير الطبري (18/ 218)].

وقد حثَّنا النبي صلى الله عليه وسلم على الحياء ورغب فيه: فقد روي عن عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ».

رواه البخاري في صحيحه برقم: 6117 (8/ 29).

وروي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ».

رواه مسلم في صحيحه برقم: 35 (1/ 63).

فالحياء من الخصال المطلوبة في المسلم الصادق مع الله سبحانه وتعالى؛ لأنه باعث على أفعال الخير ومانع من المعاصي وهذا يشمل الرجال والنساء، لكنه في المرأة أكَد وأشمل بحكم طبيعتها، وخصوصية دورها في المجتمع.

الحياء بين القوة والضعف:من المهم التمييز بين الحياء كخلق نبيل، والخجل السلبي المذموم، فالحياء لا يعني الضعف  بل الإسلام يحث على الجمع بين الحياء والوقار من جهة وقوة الحجة والجرأة في الحق من جهة أخرى، وهناك فرق بين الحياء والضعف في قول الحق، فالحياء: خلق قوي يدفع صاحبه لترك القبيح ويمنعه من التعدي أو الفحش، لكنه لا يمنعه من قول الحق والدفاع عن النفس أو الدين.

أما الضعف أو الخجل السلبي: هو التردد أو الانسحاب خوفًا من الناس أو إحراجًا، حتى لو كان على حق فهذا ليس من الحياء في شيء.

قال أهل العلم: "الحياء من الحياة، وعلى حسب حياة القلب يكون فيه قوة خلق الحياء، وقلة الحياء من موت القلب والروح" [الموسوعة الفقهية 18/262].

وهناك نماذج من الصحابيات اللاتي جمعن بين الحياء وقوة الحجة:

السيدة عائشة رضي الله عنها كانت من أمهات المؤمنين، وكانت تحتجب حتى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تكن ترفع صوتها في حضرة الرجال الأجانب، ومع ذلك كانت من أعلم نساء المسلمين، وشاركت في معارك فكرية وفقهية، وروت أكثر من ألفي حديث، وكانت مرجعًا للصحابة في الفقه والسنة.

والسيدة أم سليم بنت ملحان رضي الله عنها رفضت الزواج من أبي طلحة إلا بعد أن أسلم، وقالت له: "مثلك لا يرد ولكنك رجل كافر"، فأسلمَ فكان ذلك مهرَها، كانت حازمة لكنها لم تكن فظّة، وكانت من أوائل النساء اللاتي بايعن النبي صلى الله عليه وسلم، وشاركت في الغزوات كممرضة وشهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان. [فتح الباري لابن حجر (9/ 115)].

وغير ذلك الكثير من النماذج اللاتي جمعن بين الحياء والقوة في الحق.

صور حياء المرأة في الإسلام: 

 الحياء من الله: وهو أعظم مراتب الحياء، بأن تستشعر المرأة مراقبة الله لها في كل حال، فتترك المحرمات وتبادر إلى الطاعات.

الحياء في اللباس: أمر الإسلام المرأة بالحشمة والستر بارتداء الحجاب واللباس الساترالذي لا يصف ولا يشف، فقال تعالى  {وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها....} [سورة النور من الآية: 31].

الحياء في الكلام والتعامل: التزام المرأة بالحديث المعتدل والجديّ، والبعد عن الخضوع بالقول أو التلطف الزائد مع غير المحارم مع اختيار الألفاظ المهذبة والابتعاد عن المزاح غير اللائق، قال تعالى:{....فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [سورة الأحزاب من الآية: 32]. 

الحياء في المشي والتصرف: مشي المرأة بتواضع دون تكبر أو لفت انتباه والتصرف برزانة واتزان.

الحياء في الحضور الاجتماعي: شرع الإسلام للمرأة التعلم والعمل، ولكن بضوابط الحياء، دون تبرج أو اختلاط غير منضبط.

أثر حياء المرأة على المجتمع:

حياء المرأة ليس شأنًا فرديًا بل فيه حفظ لهوية المجتمع الإسلامي، ويحفظ تماسك الأسرة، ويُكسبها الاحترام والتقدير، ويمنع الانزلاق في الفساد الأخلاقي، كما أن المرأة الحَيِيَّة تكون قدوة صالحة لغيرها، ومصدر فخر واعتزاز لأمتها.

وفي الختام الحياء لا يعني الضعف أوالخجل المرضي، بل هو قوة أخلاقية وسياج يحمي المرأة وهي أحوج ما تكون إلى التمسك بخلق الحياء في عصر الانفتاح والتحديات، لتكون بذلك نموذجا مشرفًا للمرأة المؤمنة القوية بعفافها وخُلقها. 

                                                                   كتبه

                                                               آية أحمد محمود خليفة

  مدرس مساعد- قسم الفقه-

 بكلية الدراسات الإسلامية والعربية 

                                                    بنات بالقليوبية