في إطار مبادرة "حياة كريمة" التي تنظمها وزارة التضامن الاجتماعي - الهرم المصرى نيوز

 

كتبه: محمد موسى احمد

 "معلم بالأزهر الشريف"

-  قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: (سيروا إلى اللهِ عُرجاً ومَكاسير؛ فإنَّ انتِظارَ الصِّحَّةِ بطالةٌ).

 قال أحدهم : لم يكن أبداً من شروط السَّير إلى الله أن تكون في حالة طُهرٍ الملائكة، ولا يقينِ الأنبياء، ولا خشيةِ العلماء.

 سِرْ إلى الله بأثقالك فهو يُحب قدومك إليه ولو حَبْواً.

 إذا عزمت على السير إلى الله  فلا تمنعك كثرة خطاياك وذنوبك وإن عظمت من السير الى الله .  جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها ، فلم يترك منها شيئا ، وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة إلا أتاها ، فهل له من توبة ؟ قال : " فهل أسلمت ؟ " قال : أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأنك رسول الله ، قال : " نعم ، تفعل الخيرات ، وتترك السيئات ، فيجعلهن الله لك خيرات كلهن " ، قال : وغدراتي وفجراتي ؟ قال : " نعم " قال : الله أكبر ، فما زال يكبر حتى توارى .

وهذا وحشي لم يمنعه  قتله لحمزة  رضي الله  من الايمان بالله ورسوله وشروعه في السير إلى الله. بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوا أولئك العصاة ويمهد لهم طريق السير إلى الله فنجده صلى الله عليه وسلم يسأل الوليد  عن أخيه خالد بن الوليد ويقول "أين خالد؟" فقلت: يأتي الله به، فقال: "ما مثله جهل الإسلام، ولو كان جعل نكايته وجده المسلمين على المشركين كان خيرا له ولقدمناه على غيره"

فأرسل الوليد إلى أخيه خالد يخبره بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عنه.  

خالد الذي كان له الدور الأبرز مع المشركين في معركة أحد والتي انتهت بمقتل سبعين صحابي منهم حمزة ومصعب بن عمير وأصيب فيها النبي صلى الله عليه وسلم وكان يوم أحد  من أشد الأيام على رسول الله وصحابته. ها هو النبي يدعوه لينضم الى زمرة السائرين إلى الله ويدعوا لخالد عندما رأى ما في نفسه من الندم والحزن على ما أسلفه في نكاية المسلمين"اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صد عن سبيلك"  وكذا فعل صلى الله عليه وسلم مع عمرو بن العاص وعثمان بن طلحة الذين خرجا مع خالد من مكة إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه ليعلنوا بداية سيرهم إلى الله. 

والأحاديث في هذا الباب كثيرة منها حديث الرجل الذي قتل تسع وتسعين نفسا وأكمل المئة بذلك العابد الذي قنطه من رحمة الله ومع ذلك ظل يبحث على من يهديه إلى طريق الحق سبحانه وبعد أن عرف الطريق وفي بداية سيره فيه قبضه الله ليكون من أهل الجنة.

يا من تظن أن ذنوبك ومعاصيك تمنعك من السير إلى الله؛ ألست عبد من عباد الله؟ فاستمع لله وهو يدعوك بقوله

"قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]. 

 ويفتح سبحانه الطريق إليه بقوله 

:وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى:25].

 ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه مسلم .

ويقول صلى الله عليه وسلم: لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة. رواه البخاري

****************

أما إذا كنت بالفعل تسير الى الله وتقع منك الذنوب وتكتسب اثما او خطيئة فهذه  دعوة عظيمة للاستمرار في السير إلى الله رغم العجز أو الضعف أو عدم الكمال، وأن لا ننتظر الحالة المثالية او الطهر الكامل لمواصلة السير إلى الله لإن هذه الحالة الملائكية قل ما تتحقق لاحد من البشر ، ولأن هذا الانتظار قد يؤدي إلى الكسل والتسويف. .

  آدم عليه السلام الذي خلقه الله بيده وأسجد له الملائكة وفضله على الملائكة بتعليمه الأسماء كلها وأسكنه الجنة نسي أمر الله عز وجل وآكل هو وزوجه من الجنة يقول تعالي عنه " فنسي ولم نجد له عزما " هل منعه هذا الكسر من أن يواصل مسيره الى الله بل على العكس عاد وأناب الى الله و "قالا ربنا ظلمنا أنفسنا و…."

نبي الله يونس عليه السلام عندما ترك قومه وركب البحر والتقمه الحوت لم يمنعه هذا الكسر من مواصلة السير إلى ربه فنادى في الظلمات ،ظلمة الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل، "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين "

عندما يقع لك كسر أو تكسب اثما أو تحدثك نفسك بسوء فافعل كما فعل داوود عليه "فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب" وأكمل المسير الى الله. 

 أخطأ أبوذر رضي الله عنه في حق أحدهم  " قيل إنه بلال رضي الله عنه " وعيره بأمه لأنها كانت أعجمية فلما علم الرسول صلى الله عليه وسلم غضب وقال له "أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية" فلم يمنع هذا الكسر ابوذر من مواصلة السير إلى الله عز وجل وإن يقبل على الله بتوبة.

وهذا الصحابي الذي أرسل لقريش ما عزم عليه النبي من فتح مكه قبل منه النبي عذره وواصل المسير الى الله 

وذاك الرجل على كان لا يستطيع ان يمنع نفسه من شرب الخمر نهى النبي عن لعنه وقال هو رجل يحب الله ورسوله وياله من زاد لا يدانيه شىء آخر في سيرك لله ورسوله وهو حب الله ورسوله فالإنسان مع من أحب

يقول الله عز وجل لنا على لسان أحد أنبيائه "فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ"

(الذاريات: 50)

هذه دعوة للمسارعة إلى الله دون تأخير، دون انتظار الوقت المثالي  أو الحال المناسب

ويقول الله تعالى:

"وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا..."

(العنكبوت: 69)

دليل على أن الأمر يحتاج مجاهدة والجهاد فيه مشقة وتكرهه النفس ولكن فضله عظيم وآجره كبير لذا عبر القرآن بلفظ الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام . فهذا وعد من الله أنه من شرع في جهاد نفسه وألزمها السير الى الله سيهديه إلى سبيل الحق  ولو كان فيه ضعف أو عجز.

كان الفضيل بن عياض في شبابه قاطع طريق، يعيش في الذنوب والمعاصي. وفي إحدى الليالي سمع رجلًا يقرأ قول الله تعالى:

"ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله" (الحديد: 16)

فكأنما نزلت عليه الآية، وقال:

"بلى يا رب، قد آن"،

فتاب من ليلته وأصبح من كبار العُبّاد والزهاد. فانظر رحمك الله كيف أن هذا اللص عند سماعه نداء الله القى بنفسه في طريق الله ولم ينتظر.

سر إلى الله بصلاتك … سر إلى الله بزكاتك وصدقتك وإن قلت …. سر إلى الله بصيامك….سر إلى الله بحجك وعمرتك… سر إلى الله بصلتك ببرك لوالديك أحياءٌ كانوا أو أموات … سر إلى الله بصلتك لرحمك والإحسان إلى الجار …سر إلى الله بحسن العشرة مع الزوجة والأولاد….

سر إلى الله ولا تنتظر الكمال فإن تحقيق الكمال من المحال . يقول ربنا "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ"

ويقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز..."

يحثنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على المبادرة وعدم الاستسلام للعجز ومواصلة السير حتى مع وجود النقص.

ويقول صلى الله عليه وسلم:

"سددوا وقاربوا وأبشروا..."

(رواه البخاري ومسلم)