انطلاق فعاليات اتحاد العام الشباب العمال احتفالية حب مصر بذكرى ثورة 30يونيو رئاسة الاتحاد الاستاذ عبد العزيز سمير تحت رعاية وزارة الشباب والرياضة معالي وزير دكتور اشرف صبحي - الهرم المصرى نيوز

 

بقلم / د. رانيا عادل إسحاق

مرة، في حوار بين أم وطفلها البالغ من العمر 8 سنوات، كانت الأم تقول له: "ما تكذبش أبدًا! الكذب حرام!"، فقال الطفل: "طيب، لو قلت الحقيقة واتعاقبت؟ مش أحسن أكذب؟". هنا، الأم بدأت تفكر: هل أنا فعلًا علمته قيمة الصدق؟ ولا مجرد أمرته إنه ما يكذبش؟

في هذه اللحظة، أدركت الأم إنها بتلقنه حاجة هو مش مقتنع بيها. مش لأنه طفل سيئ، لكن لأنه مش فاهم "ليه" الكذب غلط و"إزاي" ممكن يكون الصدق طريقًا أفضل.

هل فكرتِ يومًا في الفرق بين الطفل اللي يقول "أنا مش هعمل كده عشان ماما هتزعل" والطفل اللي يقول "أنا مش هعمل كده لأنه غلط ومش صح"؟ الفرق هنا بسيط لكنه جوهري جدًا: الأول تلقى أوامر، والثاني تربّى على قيم.

خليني أحكي لك قصة حقيقية حصلت لصديقة لي:

كانت بنتها الصغيرة، ليلى، ترجع من المدرسة يوميًا وتحكي لها عن صديقتها "سارة" اللي بتاخد حاجات من شنطة باقي البنات من غير ما تستأذن. الأم قررت تستغل الموقف ده كفرصة للتربية. بدل ما تقول لبنتها: "سرقة الحاجات غلط!" وتسكت، بدأت تسألها:

"تفتكري ليه سارة بتعمل كده؟"

"إحساسك كان إيه لما شفتها؟"

"إيه اللي ممكن تعمليه لو حد عمل كده معاك؟"

ليلى فكرت وقالت: "يمكن سارة مش لاقية اللي هي محتاجاه في البيت، وده بيخليها تاخد حاجات غيرها." هنا الأم علّمت بنتها قيمة مهمة جدًا: التفكير في مشاعر الآخرين والتعاطف معهم بدل الحكم عليهم بسرعة.

التلقين: التعليم السطحي

في حياتنا اليومية، بنلاحظ أوقات كتير إن التلقين بيكون أسهل وأسرع. بنقول لأولادنا:

"اذكر ربنا قبل الأكل".

"ذاكر كويس عشان تنجح".

"ما ترفعش صوتك على حد كبير".

كل الجمل دي صح، لكن السؤال: هل الطفل بيطبقها لأنه مقتنع؟ ولا عشان بس يتجنب العقاب أو يرضينا؟

التلقين زي ما يكون إحنا بنصب ماء في كوب، الطفل بياخد الكلام لكن مش بالضرورة يستوعب معناه. زي الطفل اللي يحفظ إن "اثنين زائد اثنين يساوي أربعة"، لكن ما يعرفش يستخدم المعادلة دي لما يحتاجها في حياته.

التلقين زي ما يكون إننا بنحط قالب جاهز في عقل الطفل. بنقول له يعمل إيه وما يعملش إيه، لكن من غير ما نساعده يفهم ليه. زي لما نقول:

"ما تلعبش في الشارع."

"اقفل التليفزيون وذاكر."

"ما تتكلمش بصوت عالي."

يمكن الطفل يسمع وينفذ، لكن التنفيذ بيكون نابع من الخوف أو الاعتياد، مش من قناعة حقيقية. وده اللي بيخلي الأوامر دي تنهار في غيابنا.

التربية: بناء الإنسان من الداخل

أما التربية، فهي زي ما تكون زراعة شجرة. مش بس بنضع البذرة، لكن بنرعاها ونرويها وننتظر بصبر حتى تكبر وتثمر. التربية بتخلي الطفل مش بس ينفذ الأوامر، لكن يفهم ليه بيعمل كده.

خليني أحكي لك قصة:

في يوم، بنت صغيرة كانت بتشوف والدتها كل صباح تقرأ الكتاب المقدس وتكتب شوية ملاحظات. بعد فترة، البنت بدأت تسأل: "ماما، ليه بتعملي كده كل يوم؟"، الأم ما قالتش: "لأنك لازم تصلي زيي لما تكبري". لكنها قالت: "علشان الكتاب المقدس بيديني سلام وبيعرفني أعيش حياتي بطريقة ترضي ربنا".

بعد كده، لما البنت كبرت، بقت هي كمان تفتح الكتاب المقدس كل يوم، مش لأنها متعودة على كده، لكن لأنها فهمت أهميته. التربية هنا مش مجرد تلقين سطحي، لكنها غرس لقيمة حقيقية داخل الطفل.

مثال واقعي: الفرق في التأثير

خلينا نتخيل موقف بسيط: طفل وقع منه كوب ماء على الأرض.

في حالة التلقين: الأم تصرخ: "لم الأرض بسرعة! كده غلط!"، والطفل ينفذ بسرعة لأنه خايف من العقاب.

في حالة التربية: الأم تقول بهدوء: "تعال ننظف مع بعض. عارف ليه لازم ننظف؟ علشان لو سبناها، ممكن حد يقع ويتأذي. المرة الجاية نحاول نكون أكتر حرص."

في الحالة الأولى، الطفل هينفذ لكن من غير ما يفهم. أما في الحالة التانية، الطفل هيتعلم قيمة المسؤولية ويبدأ يطبقها حتى لو محدش طلب منه.

لماذا التربية أهم من التلقين؟

في يوم من الأيام، هيكبر أولادنا وهيواجهوا مواقف إحنا مش هنكون موجودين فيها. لو كان كل اللي اتعلموه هو التلقين، هيقفوا محتارين، مستنين حد يقول لهم يعملوا إيه. لكن لو ربيناهم على التفكير واتخاذ القرارات، هيقدروا يواجهوا الحياة وهم واثقين في نفسهم.

التربية بتعلم الطفل:

إنه يقول الحقيقة لأنه مقتنع إنها تعكس شخصيته، مش لأنه خايف من العقاب.

إنه يساعد الآخرين لأنه مؤمن بأهمية العطاء، مش لأنه لازم يثبت للناس إنه شخص طيب.

إنه يتحمل مسؤولية أخطائه لأنه فاهم قيمة الصدق مع النفس.

قصة ملهمة: النتيجة تختلف مع التربية

مرة طفل كان عنده لعبة مفضلة، ولما أخوه الصغير كسرها بالغلط، الطفل غضب جدًا وصار يصرخ ويبكي. الأب شاف الموقف وقال له: "أنا فاهم إنك زعلان، لكن تعال نفكر سوا: إيه اللي نقدر نعمله؟". الطفل قال: "ممكن أطلب لعبة جديدة!". الأب رد: "طيب، وإيه رأيك نسامح أخوك؟ هو صغير وما كان يقصد."

الموقف ده علم الطفل قيمتين: إدارة الغضب والتسامح. لكن لو كان الأب اكتفى بالصراخ على الطفل الصغير أو تجاهل الموقف، النتيجة كانت هتكون مختلفة تمامًا.

التربية مختلفة تمامًا. هي عملية بناء شخصية، تعليم الطفل إنه يكون إنسان عنده قيم ومبادئ يقدر يطبّقها في حياته اليومية. التربية مش إنك تقولي للطفل "ما تكذبش"، لكنها إنك تعلميه أهمية الصدق عن طريق المواقف اليومية.

خليني أديك مثال:

طفل اسمه يوسف كان بيحب الرسم جدًا، لكنه رسم على الحيطة في البيت. لما شافته أمه، بدل ما تصرخ عليه، قالت:

"يا يوسف، رسوماتك جميلة جدًا، بس الحيطة مش مكانها. تفتكر فين المكان الصح؟"

يوسف قال: "على الورق!"

الأم هنا استخدمت الموقف لتعليم المسؤولية بدل العقاب. يوسف بدأ يفهم إنه حتى لما يعمل حاجة غلط، دايمًا في طريقة للتعلم بدل الخوف.

قصة: التربية في مواجهة التلقين

مرة، كان في أم بتعلم ولادها أهمية التعاون في البيت. قررت إنها تعمل لعبة بسيطة. جمعتهم وقالت: "النهارده، هننظف البيت مع بعض. كل واحد ليه مهمة، واللي يخلص مهمته الأول يساعد حد تاني." الأطفال اتحمسوا وبدأوا ينظفوا، وفي نهاية اليوم، قعدوا يحكوا مين ساعد مين وإزاي 

نهاية اليوم، قعدوا يحكوا مين ساعد مين وإزاي حسوا بالسعادة لما اشتغلوا كفريق.

في موقف مشابه، أم تانية كانت بتقول لأولادها كل يوم: "رتبوا أوضكم"، لكن الأطفال كانوا بيعملوا ده على مضض وباستهتار. الفرق؟ التربية الأولى خلقت دافع داخلي، بينما التلقين خلق شعور بالواجب فقط.

وهنا ياتى الاجابه عن السؤال المهم !

لماذا التربية أفضل من التلقين؟

1. التربية تعطي الطفل فرصة للتفكير:

لما نعلم الطفل "ليه" و"إزاي"، بنخليه يكتسب مهارات تفكير تساعده يتصرف لوحده

2. التربية تبني الشخصية:

الأطفال اللي تربوا على قيم واضحة بيكونوا أكثر استقلالية وثقة بالنفس.

3. التربية تعلّم الطفل المسؤولية:

بدل ما ينفذ الأوامر، يبدأ يفكر في عواقب أفعاله ونتائجها.

خليني أقولك موقف تاني حصل مع أم أعرفها: ابنها كسر الكوب المفضل ليها. بدل ما تصرخ أو تعاقبه، قالت له: "تعال نشوف مع بعض إزاي نصلح اللي حصل. هات المكنسة، وأنا هجيب الممسحة." الطفل بعد كده بقى حريص جدًا لما يحمل أي شيء لأنه حس بمسؤولية تصرفه.

التربية بالتجربة والمواقف اليومية

الحياة مليانة مواقف صغيرة نقدر نستغلها للتربية.

لو طفلك رفض يشارك لعبة مع صاحبه، ما تقوليش: "لازم تشارك!"، لكن احكي له قصة عن قيمة المشاركة.

لو رجع من المدرسة زعلان لأن صاحبه قال له كلمة جارحة، ما تقوليهوش: "انسى الموضوع"، لكن اسأليه: "تحب نقعد ونتكلم؟ إيه اللي ممكن نعمله علشان المرة الجاية نتصرف بشكل مختلف؟"

كيف نبدأ؟

ابدئي بالتفكير في القيم اللي حابة تغرسيها في أولادك: الصدق، المسؤولية، التعاطف، الصبر... مش لازم تكون القائمة طويلة، لكن ركزي على الأساسيات.

ثم، استغلي كل موقف يومي كفرصة لتعليم القيمة اللي اخترتيها. مش شرط المواقف تكون كبيرة. حتى في أبسط الأمور، زي ترتيب السرير، تنظيف الأطباق، أو حتى اختيار الملابس.

الخلاصة: التربية هي المفتاح

التلقين ممكن يكون سريع وسهل، لكن تأثيره ضعيف. أما التربية فهي رحلة طويلة، مليانة مواقف وتحديات، لكن نتيجتها بتصنع إنسان حقيقي.

كأمهات، كل لحظة بنقضيها مع ولادنا هي فرصة للتربية. بدل ما نديهم أوامر، نقدر نسألهم:

"إيه رأيك؟"

"تحب تتعامل مع الموقف ده إزاي؟"

"إيه اللي ممكن نتعلمه من اللي حصل؟"

التربية الحقيقية هي اللي تخلي ولادنا يحسوا إنهم شركاء في القرارات، مش مجرد متلقين للأوامر. ولما يعملوا كده، هيكونوا مستعدين يواجهوا العالم بشخصيات قوية ومستقلة

اوعى تنسى أن 

التلقين هو إننا نعلم الطفل "إيه اللي يعمله". التربية هي إننا نعلّمه "إزاي يفكر". التلقين يمكن ينجح على المدى القصير، لكن التربية هي اللي بتخلق إنسان ناضج يقدر يتصرف بحكمة حتى لو إحنا مش موجودين.

التربية مش رحلة سهلة، لكنها أكتر حاجة تستاهل مجهودنا. كل موقف وكل كلمة وكل نظرة بتفرق. والهدف مش إن ولادنا يكونوا "مثاليين"، لكن إنهم يكونوا أفضل نسخة من نفسهم.