انطلاق فعاليات اتحاد العام الشباب العمال احتفالية حب مصر بذكرى ثورة 30يونيو رئاسة الاتحاد الاستاذ عبد العزيز سمير تحت رعاية وزارة الشباب والرياضة معالي وزير دكتور اشرف صبحي - الهرم المصرى نيوز

بقلم / د. علي محمود

دكتور الصحة النفسية والإدمان.

مقدمة

الإدمان ليس مجرد سلوك خاطئ أو عادة سيئة، بل هو اضطراب نفسي وسلوكي معقّد ينشأ نتيجة تفاعل عوامل بيولوجية ونفسية واجتماعية. ويؤدي إلى اعتماد قهري على مادة أو سلوك يدمّر الإرادة، ويؤثر سلبًا في الصحة الجسدية والعقلية، ويهدد الاستقرار الأسري والاجتماعي. تكمن خطورته في أن آثاره تتجاوز الفرد المدمن لتطال أسرته ومجتمعه، إذ يسهم في انتشار الجريمة، وتفكك الأسر، وانهيار القيم، وتدهور الاقتصاد.

أنواع الإدمان

الإدمان الكيميائي يشمل الاعتماد على مواد مثل المخدرات والكحول والمؤثرات العقلية. هذا النوع من الإدمان يغير كيمياء الدماغ ويؤثر في مركز المكافأة، ما يجعل الشخص غير قادر على الشعور بالسعادة إلا من خلال المادة التي أدمنها. المواد مثل الهيروين، الكوكايين، الكحول، أو حتى بعض الأدوية المسكنة تؤدي إلى تدهور الجهاز العصبي، وفقدان القدرة على التحكم في السلوك، وقد تقود في كثير من الأحيان إلى الوفاة نتيجة جرعة زائدة.

الإدمان السلوكي رغم غياب المواد الكيميائية، لا يقل خطورة عن الإدمان الكيميائي. ويشمل إدمان الإنترنت، الألعاب الإلكترونية، التسوق القهري، المقامرة، والإفراط في العلاقات العاطفية أو الإباحية. هذه السلوكيات تسيطر على عقل الشخص وتستنزف وقته وطاقته، وتدخله في دوامة من الإحساس بالذنب والعزلة والقلق.

إدمان الطعام يُعد أحد أشكال الإدمان السلوكي المرتبط بالجانب النفسي والعاطفي، حيث يجد البعض في تناول الطعام ملاذًا للهروب من التوتر أو الحزن. الإفراط في تناول السكريات والدهون يؤدي إلى أمراض مزمنة مثل السمنة، وارتفاع ضغط الدم، والسكري، ويضر بالصحة النفسية نتيجة تأنيب الضمير وفقدان الثقة بالنفس.

كيف نتعامل مع المدمن؟

الاعتراف بأن الإدمان مرض وليس انحرافًا أخلاقيًا أو ضعفًا في الشخصية، بل هو مرض مزمن يحتاج إلى علاج واستراتيجية متكاملة للتعامل معه. هذا الاعتراف هو حجر الأساس في تغيير نظرة الأسرة والمجتمع تجاه المدمن.

يحتاج المدمن إلى بيئة تحتويه وتفهم معاناته، ولكن دون تسهيل سلوكه الإدماني. لا ينبغي منحه المال أو التستر على أفعاله، بل يجب مواجهته بالواقع بطريقة حازمة وعطوفة في آنٍ واحد.

من المهم كسر العزلة التي يعيشها المدمن، ومساعدته على إعادة بناء الروابط الاجتماعية والروحية التي تمزقت بسبب الإدمان. الدعم النفسي من الأسرة والمجتمع يمكن أن يكون فارقًا بين التعافي والانتكاس.

الحديث مع المدمن يجب أن يكون خاليًا من الاتهام والتقريع، ويركز على الأمل والإمكانيات المتاحة للعلاج. من الضروري إقناعه بأن العلاج ليس علامة ضعف، بل هو شجاعة ومبادرة لإنقاذ النفس والحياة.

مراحل علاج الإدمان

التعافي يبدأ من الداخل. لا يمكن لأي برنامج علاجي أن ينجح ما لم يكن المدمن مقتنعًا بالحاجة للتغيير. هذه المرحلة تتطلب حوارًا داخليًا عميقًا، ومواجهة النفس بالحقيقة، وهو أمر صعب لكنه ضروري.

كل حالة إدمان تختلف عن الأخرى. لذلك، يخضع المدمن لتقييم شامل لتحديد حالته الصحية، ومدى تأثير الإدمان على جسده ونفسيته، وتحديد البرنامج العلاجي المناسب له.

في هذه المرحلة يتم تنظيف الجسم من آثار المواد المخدرة تحت إشراف طبي متخصص. وهي مرحلة حرجة تصاحبها أعراض انسحاب قد تكون شديدة كالأرق، الغثيان، الاكتئاب، وقد تستدعي رعاية مستمرة.

يهدف هذا النوع من العلاج إلى تغيير أنماط التفكير والسلوك التي أدت إلى الإدمان. جلسات العلاج الفردي والجماعي تُعد أدوات فعالة في بناء الوعي الذاتي، وتعزيز القدرة على مقاومة الرغبة في العودة للإدمان.

الأسرة ليست فقط جزءًا من المشكلة، بل يمكن أن تكون جزءًا من الحل. دمجها في الخطة العلاجية يعزز فرص النجاح، ويخلق بيئة داعمة للمدمن تساعده على الثبات والاستمرار.

بعد تخطي المراحل الطبية والنفسية، تأتي مرحلة التأهيل التي تركز على إعادة بناء المهارات الاجتماعية والمهنية، وإعداد المدمن للحياة الواقعية من دون الاعتماد على السلوك أو المادة الإدمانية.

التعافي رحلة طويلة تتطلب التزامًا طويل الأمد. الدعم النفسي، حضور مجموعات الدعم، والمراجعة الدورية تساهم في تقليل احتمالات الانتكاس وتحافظ على التعافي المستقر.

الطرق العلاجية المتبعة

يساعد العلاج السلوكي المعرفي المدمن على فهم العلاقة بين أفكاره وسلوكياته، ويمنحه أدوات عملية لتغيير أنماط التفكير السلبي، مما يعزز مناعته النفسية أمام محفزات الإدمان.

التجربة الجماعية تمنح المدمن شعورًا بأنه ليس وحيدًا في معركته. تبادل الخبرات والمشاعر في بيئة داعمة يُسهم في تعزيز القوة الداخلية والتحفيز المستمر على الاستمرار في طريق التعافي.

بعض حالات الإدمان تستدعي استخدام أدوية تساعد في تخفيف الأعراض الانسحابية أو تقليل الرغبة في التعاطي. يتم هذا تحت إشراف طبي صارم وبما يتناسب مع حالة المريض.

الابتعاد عن البيئة المحفّزة على الإدمان، والدخول في مركز علاجي متخصص، يُعد خيارًا مهمًا للكثير من المدمنين الذين يحتاجون إلى دعم مكثف ورقابة علاجية متواصلة.

لدى العديد من الأفراد، تلعب القيم الدينية دورًا جوهريًا في إعادة بناء الذات وتعزيز الالتزام بالعلاج، خصوصًا حين يرتبط العلاج بتجربة إيمانية تعيد للمدمن إحساسه بالمعنى والهدف.

خاتمة

الإدمان ظاهرة معقدة تتطلب استجابة متعددة الأبعاد. ليس هناك علاج سحري أو طريق واحد للنجاة، ولكن هناك دائمًا فرصة للتغيير. إن التعامل مع المدمن برحمة ووعي، وتقديم العلاج المتكامل والدعم النفسي والاجتماعي، يمكن أن يصنع فارقًا حقيقيًا في حياة فرد، وقد ينقذ أسرة بأكملها من الانهيار. الأمل لا يموت ما دامت الإرادة حية، والتعافي ممكن حين تتوفر الإرادة والإيمان والمساندة.

مع خالص تحياتي

د. علي محمود

دكتور الصحة النفسية والإدمان

دولة ألمانيا الاتحادية

نرحب بكافة الاستفسارات والاستشارات