الزمالك حكايه عشق/الهرم المصرى نيوز

 

" بقلم أ. إيمان سلامة

بصفتي مراقبة لتفاعلات عديدة داخل بيئات العمل المختلفة، لمستُ عن كثب كيف يمكن للقيادة أن تكون محفزًا للنمو والازدهار، أو سببًا في الذبول واليأس. من هذا المنطلق، يصبح من الضروري التأكيد على أن القيادة ليست مجرد منصب أو امتياز يُتباهى به، بل هي أمانة عظيمة وعبء ثقيل يستوجب المساءلة أمام الله والضمير. فالموقع الإداري ليس ساحة لاستعراض القدرات الشخصية، بل هو ميدان للعدل، لتقدير جهود المخلصين، ولإطلاق الطاقات الكامنة التي تدفع بالمؤسسة نحو النجاح.

كم من موظف وطأ أرض العمل بشغف وحماس ورغبة صادقة في إحداث بصمة إيجابية، ثم ما لبث أن خبا بريقه ورضي بالحد الأدنى من العطاء؟ غالبًا ما يعود السبب إلى مدير لم يمنحه إلا شعورًا بالخذلان، اختزله إلى مجرد رقم في قائمة الرواتب، وتجاهل عقله المتقد وقلبه المتطلع للتقدير. فكيف يمكن للإخلاص أن ينمو ويثمر في بيئة تجازي اللامبالاة وتخنق روح المبادرة؟

وكما قيل بحكمة بالغة: "إذا لم تُقدّر العقول النيرة، فإنها تنسحب بهدوء." وكم من الكفاءات اضطرت لمغادرة أماكن عملها ليس بسبب قصور في قدراتها، بل بسبب قيادة خذلت آمالها وفتحت الأبواب واسعة للمتملقين على حساب المتقنين.

إن المدير الذي يحيد عن طريق العدل لا يوقع الظلم على فرد واحد فحسب، بل يمتد ضرره ليشمل النسيج الكلي للمؤسسة. فهو يبذر بذور الشك والانقسام، وينشر ثقافة الخوف والمجاملة الزائفة، ويقصي الكفاءات المخلصة بينما يقرب إليه من يرضي غروره ونزواته. وهذا سلوك يتعارض بشكل جوهري مع جوهر الرسالة النبوية الشريفة التي دعا فيها النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشقّ عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم، فارفق به." [رواه مسلم]

وهناك صنف من المديرين يحصرون وظيفتهم في تتبع ساعات الدوام، والبحث عن النوايا الخفية، ومراقبة الهواتف والمظاهر الخارجية، متناسين جوهر العمل الحقيقي والنتائج الملموسة التي تُبنى على الثقة المتبادلة لا على التجسس والريبة. فالإدارة الحقيقية لا تكمن في الانشغال بالتفاصيل الهامشية، بل في تحفيز العقول النيرة وبناء فريق متماسك يشعر كل فرد فيه بأنه حجر أساس في صرح النجاح المشترك.

ولا يغيب عن المشهد أيضًا ذلك المدير الذي يستنزف الوقت الثمين في اجتماعات عقيمة لا تسفر عن نتائج ملموسة، وينشغل بالتحكم والتسلط بدلًا من التخطيط الاستراتيجي، ويعلو صوته باللوم والانتقاد أكثر مما يصغي إلى آراء فريقه، ويضعف أمام النقد البناء لأنه يراه تهديدًا لسلطته لا فرصة للتطوير والتحسين.

ولعل أشد ما يدمي القلوب هو تحول بيئة العمل إلى ساحة للترهيب النفسي، حيث لا يُسمح بالخطأ ولا تُمنح الفرصة للتعلم والنمو. فالمدير الذي يلوح بسيف العقاب أكثر مما يقدم يد العون والتشجيع على الإنجاز، هو كمن يزرع الشوك ويتوقع أن يجني ورودًا يانعة.

أما المدير الذي يعيش في وهم التفوق المطلق، ويظن أنه الأذكى والأقدر على كل شيء، ويتعامل مع الآخرين بتعالٍ ويحيط نفسه ببطانة تصفق له على الدوام، فهو في الحقيقة يحفر قبر مؤسسته بيده. فالنجاح الحقيقي لا يتحقق بشكل فردي، ولا تُبنى الإنجازات الراسخة على المجاملات الكاذبة، بل على النقد البناء، والتنوع في وجهات النظر، وتقبل الرأي الآخر برحابة صدر.

للخروج من هذه الدائرة المفرغة وبناء بيئات عمل منتجة ومحفزة، يجب على القادة تبني مبادئ أساسية. أولًا، الاستماع بإنصات وتقدير آراء الموظفين، فهم الثروة الحقيقية للمؤسسة. ثانيًا، توفير بيئة آمنة تشجع على التجربة والتعلم من الأخطاء، فالخطأ هو أولى خطوات التعلم. ثالثًا، تطبيق العدل والمساواة في التعامل مع الجميع، فالمساواة هي أساس الثقة والولاء. وأخيرًا، تشجيع ثقافة التقدير والاعتراف بالإنجازات، فالكلمة الطيبة والتقدير الصادق يصنعان المعجزات.

في نهاية المطاف، لا تُقاس عظمة القائد بعدد القرارات التي اتخذها أو بصرامة اللوائح التي وضعها، بل بقدرته على غرس بذور التمكين وحصد ثمار الولاء والاحترام في قلوب من يعملون معه، وبالأثر الطيب الذي يتركه في نفوسهم. وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته."

فلنتذكر دائمًا أن المناصب زائلة، لكن الأثر الذي نتركه في نفوس من نعمل معهم هو الباقي. فلنجعل أثرنا طيبًا، ولنسعَ معًا لخلق بيئات عمل تزدهر فيها الطاقات وتحقق المؤسسات أهدافها بروح الفريق والمسؤولية.