محافظ الغربيةلن نسمح بعودة الفوضى العمرانية الإزالة الفورية - جريدة الهرم المصري نيوز

 

بقلم:د  نشوه نبيل الششتاوي 

مع التطور السريع في مجالات الطب والتكنولوجيا، أصبح الإنسان اليوم يمتلك أدوات متقدمة لرعاية صحته، بدءًا من الفحوصات الدورية وصولًا إلى أنظمة التغذية المتخصصة والمكملات الغذائية. ومع ذلك، تشير الإحصاءات إلى تزايد معدلات الأمراض المزمنة مثل السكري، أمراض القلب، واضطرابات الصحة النفسية، مما يطرح تساؤلات حول ما إذا كان الإنسان الحديث يتمتع بصحة حقيقية أم أنه يواجه تحديات جديدة في ظل أنماط الحياة المعاصرة.

الصحة تتجاوز غياب المرض

لم يعد مفهوم الصحة يقتصر على عدم وجود أمراض، بل يشمل جودة الحياة، القدرة على مواجهة التحديات اليومية، والشعور بالحيوية والنشاط. فالشخص الذي لا يعاني من مشكلات صحية ظاهرة قد يكون عرضة للإرهاق المزمن، سوء التغذية، أو القلق المستمر، وهي عوامل تؤثر بشكل كبير على جودة الحياة. الصحة اليوم تُعرّف بأنها حالة من التوازن الجسدي، العقلي، والنفسي، حيث يشعر الإنسان بالقدرة على الإنتاج والتمتع بالحياة دون قيود.

التغذية: أكثر من مجرد حساب السعرات

يعتقد الكثيرون أن اتباع نظام غذائي صحي يعني تقليل السعرات الحرارية فقط، لكن الأبحاث الحديثة تؤكد أن جودة الطعام لا تقل أهمية عن كميته. فالأطعمة الغنية بالمغذيات، مثل الخضروات الطازجة، البروتينات الصحية، والدهون المفيدة، تلعب دورًا أساسيًا في تعزيز المناعة، تحسين وظائف الدماغ، والحفاظ على مستويات الطاقة المستدامة. في المقابل، يؤدي الاعتماد على الأطعمة المصنعة والمضافات الصناعية إلى تراكم السموم في الجسم وزيادة مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة.

تساهم التغذية المتوازنة في تحسين الصحة العامة من خلال توفير العناصر الأساسية التي يحتاجها الجسم، مثل الفيتامينات والمعادن، والتي تساعد في دعم العمليات الحيوية وتقليل الالتهابات. كما أن تناول الطعام بوعي، والاستماع إلى إشارات الجوع والشبع الطبيعية، يساعد في الحفاظ على الوزن المثالي دون الحاجة إلى حميات قاسية تؤدي غالبًا إلى نتائج عكسية

النوم: العنصر المفقود في معادلة الصحة

يُعد النوم الجيد أحد الركائز الأساسية للصحة، إلا أنه غالبًا ما يتم تجاهله في ظل ضغوط العمل ونمط الحياة السريع. تشير الدراسات إلى أن قلة النوم تؤثر سلبًا على التمثيل الغذائي، تزيد من مستويات التوتر، وتضعف جهاز المناعة. كما أن النوم غير الكافي يؤثر على هرمونات الجوع والشبع، مما يزيد من احتمالية زيادة الوزن واضطراب عملية التمثيل الغذائي.

يلعب النوم دورًا رئيسيًا في تعزيز وظائف الدماغ، تحسين التركيز، والمساعدة في استعادة التوازن الهرموني في الجسم. فخلال فترات النوم العميق، يقوم الجسم بإصلاح الخلايا وتجديد الطاقة، مما يجعله عنصرًا أساسيًا في الوقاية من العديد من المشكلات الصحية. لذلك، فإن تحسين جودة النوم من خلال الالتزام بمواعيد نوم منتظمة، تقليل التعرض للشاشات قبل النوم، وتوفير بيئة نوم مريحة، أصبح ضرورة للحفاظ على صحة مستدامة.

التكنولوجيا والصحة: بين الفوائد والمخاطر

ساهمت التكنولوجيا في تطوير المجال الصحي بشكل ملحوظ، من خلال توفير أجهزة ذكية لمراقبة الصحة، تطبيقات اللياقة البدنية، وإمكانية الوصول إلى المعلومات الطبية بسهولة. ومع ذلك، فإن الإفراط في استخدام الأجهزة الرقمية أدى إلى زيادة معدلات الخمول البدني، التوتر العقلي، واضطرابات النوم.

أصبح التعرض المستمر لشاشات الهواتف وأجهزة الكمبيوتر مشكلة متزايدة، حيث يؤثر الضوء الأزرق المنبعث منها على إنتاج هرمون الميلاتونين، المسؤول عن تنظيم النوم. كما أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي أدى إلى زيادة الضغوط النفسية، مما ساهم في ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب بين الأفراد.

لذلك، فإن تحقيق توازن بين الاستفادة من التكنولوجيا والحد من تأثيراتها السلبية أصبح ضروريًا. يمكن ذلك من خلال تقليل وقت التعرض للشاشات، ممارسة الأنشطة الحركية بانتظام، وتخصيص أوقات للراحة الذهنية بعيدًا عن الأجهزة الرقمية.

ختامًا

لم تعد الصحة اليوم مجرد غياب للمرض، بل أصبحت مفهومًا شاملاً يتطلب التوازن بين التغذية السليمة، النوم الكافي، النشاط البدني، والصحة النفسية. ومع تسارع نمط الحياة الحديث، أصبح من الضروري إعادة النظر في العادات اليومية، والعمل على بناء أسلوب حياة مستدام يعزز جودة الحياة ويضمن الوقاية من الأمراض المستقبلية. إن الاهتمام بالتفاصيل البسيطة، مثل تناول طعام صحي، تحسين جودة النوم، وممارسة الرياضة بانتظام، قد يكون هو المفتاح الحقيقي للتمتع بصحة جيدة في العصر الحديث.