وزير العمل يترأس اجتماع المجلس الأعلى للتشاور الاجتماعي في مجال العمل في أول اجتماع بعد تشكيله الجديد/الهرم المصرى نيوز

 

بقلم / محمود حسانين

يأتي كتاب "انظر إلى الأضواء يا حبيبي" "لآني أرنو" الحاصلة على جائزة نوبل للأدب للعام "2022" الصادر عن "منشورات الجمل" ترجمة "لينا بدر" ليلقي بظلال النسيج المتداخل بين السرد الروائي والتدوين اليومي "لليوميات" في عرض لتداخل بين الأجناس الأدبية، بما يصفه البعض "بالكتابة عبر النوعية" وخلال القراءة في الكتاب يجد القارئ نفسه أمام سرد فني, لشكل من أشكال "كتابة التدوين" والتي اشتهر منها كتاب "الجبرتي" وغيره، ولأن مؤلفته “آني أرنو” كتبته بطريقة "اليوميات" فيما يشبه "النوتس" فقد أوحت للقارئ كأنها تلتزم خطة زمنية محددة, رغم أنها خرجت عن نمط تدوين الأحداث مثل "الجبرتي" فقد التزمت في التدوين لوجه واحد من الحياة, وهو وجه لا يختلف كثيرًا من شخص لأخر, فالجميع يقف موقف الكاتبة –البطلة- عندما تقوم بالتسوق لحاجياتها, حيث تذكر بأن الفعل يتكرر على النحو نفسه مئات المرات, وهذا لأهمية التسوق لكل الأشخاص بصفة شبه يومية, وتصفه بأنه لا يرتبط بتاريخ محدد, فهي تدون تواريخ تجدها متتالية أو متفرقة يتخللها بعض الأيام, الكتاب جاء في حدود المائة صفحة, مقسمة إلى يوميات, قد نجد بعضها غير مرتبط بفعل التسوق, والبعض خصص لشرح حركة البشر, بين الفضول واللا مبالاة, فتقول على هؤلاء البشر الذين تصادفهم أنهم قد يتعرفون على حياتنا الأسرية من خلال المشتريات.. ب"طريقة عيشنا وحسابنا في المصرف, عاداتنا الغذائية واهتماماتنا الأكثر حميمية, حتى وضعنا العائلي، بالمشتريات التي نضعها على بساط الصندوق"

مرأة الكتابة:

نجد أن "آني أرنو" بكتاباتها تتعمق في ثقافة الاجتماعيات، فمن خلال كتاباتها تستطيع أن تكتشف الكثير, كأنها مرأة تعكس واقع الحياة على الورق, فهي محاولة لتغير منظور الإنسان للحياة الدائمة والمعتادة, فهي محاولة سردية تدونها لملاحظة العادات والتقاليد لدي من حولها, من خلال الانطباع لجنب من الحياة, وهو التسوق فقط.

يعرض الكتاب أحداث كثيرة, ولكن من جانب واحد للحياة "التسوق" من خلال راوٍ داخلي يُمثل البطلة المحورية "الكاتبة" التي تروي رحلة التسوق لها ولكل إنسان.

ونجدها أيضا تشير إلى المعاناة التي تتلبس البعض, عند الوقوف حائرين أمام منتج ما, وبكل تلقائية نجدها تصف حالة الأطفال تجاه رغباتهم في التسوق المحدود لسنهم, حيث هرولتهم إلى متاجر اللعب وتأمل الدمي والألعاب الصبيانية, وتفند الكاتبة ميول الأطفال التي تختلف بين الفتاة والصبي, وفي بعض الفصول نجدها تجنح إلى وصف حالة العاملين, فهي ترى في نظرات موظفة "الكاشير" في الفضول لما تتسوقه, ونظرات حارس البوابة عندما تخرج بدون مشتريات فتقول:

"كأن الانصراف دون تسوّق, شذوذ مشبوه، فأنت مذنب بعدم شرائك شيئًا"

حتى أنها تقترب في إحدى الصفحات بحوار مع عامل السلال وبائع السمك, فهي تجعل من المتجر مجسم للحياة.

بين القراءة والكتابة الذاتية:

تقول الكاتبة على لسان البطلة:

"مثل كل مرة أتوقف فيها عن التدوين الحاضر, يراودني إحساس أنني أنسحب من حركة العالم"

إحساس أن من يكتب لم يمت, هو ما ترجمته الكاتبة في هذه الجملة على لسان بطلتها, إذًا تبدأ الكاتبة بجعل البطلة تدوّن بدلًا من فعل الكتابة, لتصبح من خلال ما تقدمه هو إيهام للقارئ بأنه يقرأ مخطوط أن "نوت" ولكنها ترصد أثناء تجوالها للمرة الثانية, بعين القارئ عناوين الكتب في مكتبة المتجر, وتحدث نفسها كأنها تتقمص دور القارئ بالبحث عن كتاب ما, فتقول: 

"رأيت كتاب مارك ليفي, فرانسواز بوردان، لوران بافي، ريجين دوفورج، ويا للمفاجأة، روبير، ولكن اسم كاتبة أميركية اسمها الأول نورا. كما أنني لم أعثر عليه فوق طاولات ينتشر عليها الحابل بالنابل"

في النهاية تأسف على حال متجر الكتب, وما يفرضه على القراء بنسبه إلى الأعلى مبيعًا, فتقول:

"بعد أنهيت مشترياتي، ذهبت إلى قسم المكتبة لكي أهدي نفسي كتاب "حياتان أفضل من واحدة" للكاتب جان مارك روبير، بحثت عنه دون مغالاة في الغرور, على منضدة عرض أفضل المبيعات, يبلغ طولها ثلاثة أمتار, تضم عشرة عناوين فحسب كأن ليس هنا كتبًا أفضل يجدر قراءتها سوى هذه"

الألعاب السردية:

تتحول الكاتبة من فعل الكتابة إلى الإيهام بالسرد الآني, مستعملة فن الألعاب السردية, للدخول إلى النص بشخصها, والخروج منه كراو عليم, فهي تصف حال البطلة داخل المتجر بما حدث لأبطال رواية "سعادة السيدات" للكاتب الفرنسي "إميل زولا" التي تتحدث عن ظهور المتاجر الضخمة, وعند الدخول بشخصها في السرد تدعي مصادفة امرأة تناديها باسمها قائلة" هل أنت إني أرنو" فتحاول الهروب بكونها تنتحل شخصية زائفة, فنجدها تحل بدلًا من البطلة لتروي عملية الفعل التجاري, الذي يمارسه المتجر على الزبائن, عندما تجد لافتة كتب عليها عدم قراءة الكتب والصحف والمجلات المعروضة في المتجر, فتقول:

" أكثر ما يغيظني في هذا المنع, هي كلمة "زبائننا" بدلًا من "الزبائن" التي نتوقعها, لا أنا ولا الأخرين, نحن لسنا ملكية لأوشان"

وهي تعلن رفضها لحيازة بطاقة المتجر الخاصة بالزبائن الدائمين, وفي النهاية بعدما تحصل على تلك البطاقة تقوم بتمزيقها قائلة:

"كي أتفادي أي إغواء, أعرف جيداً الإكراه المغُرر للمتاجر الكبرى, وضعفي كمستهلكة, لذا مزقت بطاقتي الخاصة بأوشان"

الكتاب يرصد نوع الممارسات اليومية للأشخاص, والذي مازال قائمًا حتى بعد تواجد خدمة "الديليفري" لتضع أمام القارئ سلوك "النوستالجيا" للأشخاص في عدد من صفحات كتابها, لتوثق حالة الإنسان في رغبته في الشراء بنفسه, بارتياده للمحالات لغرض التسوق, وقد ذكرت بأن ما تقوم به هو على حد تعبيرها ليس بحث أو استطلاع بقدر ما هو "يوميات" قائلة:

" هأنذا، في سبيل وصف المكان وبحسب عادتي، رحت أطوف، ولائحة المشتريات في يدي، باذلة قصارى جهدي للانتباه أكثر من المعتاد على كل من يشغل هذا الحيّز، موظفون وزبائن، وعلى فن الاستراتيجية التجارية، ما أكتبه ليس بحثًا استطلاعيًا، ولا تحرياً منهجياً إذاً، إنما يوميات، ما ينسجم على الأكثر مع مزاجي الذي يميل إلى الالتقاط الانطباعي للأشياء والناس، وللأجواء، كتابة حرة في إبداء الملاحظات والمشاعر، محاولة مني للإمساك بشيء ما من الحياة الدائرة هناك"

** ** **