عمادة كلية المنصور الجامعة تحتفي بعيد المراة./الهرم المصرى نيوز

 

 

للكاتبه نرمين قدري 

تفتح الستار علي عنبر نساء متهالك في إحدى المصحات النفسية حيث مجموعة من النساء يتجمعون حول مائدة كبيرة يتناولون طعام الإفطار وكلن منهن شاردة بفكرها بعيداً؛ فلقد عانوا الكثير بحياتهم إلى أن وصل بهم المطاف جميعاً ليصبحوا مجرد رقم في مصحة نفسية.

يفتح الباب وتدخل الطبيبة المختصة تلقي عليهن التحية وتجلس علي رأس المائدة تنظر لهن مبتسمة وتقول بمرح: 

ا-صباح الخير أنا انهاردة اتعمدت اجمعكم مع بعض علشان تتعروفوا وكل واحده تحكي حكايتها، عارفة إن كل واحده مش هترضي تقول اسمها فخلينا نلعب لعبه الارقام فكل واحده هتعرف نفسها برقما نبدا برقم واحد.

ابتسمت فتاة في العشرين من عمرها وقالت: 

-انا رقم واحد يمكن حكايتي معظمكم يشوفها عادية لكن أنا حياتي كلها ادمرت وتحت مسمي الحب، باختصار انا زي اي بنت كان نفسي احب واتحب عادي يعني بتحصل لكن حبيت الرجل الغلط بس هنقول ايه هي كده مراية الحب عامية، انا بنت بسيطة من حارة في حي شعبي طموحي كنت إن اشتغل بعد تخرجي زي اي حد، اتقدمت في شركة و يمكن شكلي كان ليه عامل في قبولي مش مؤهلي، المهم من أول لحظة لاحظت نظرات المدير ليا وبصراحة غروري بنفسي زاد.

يقطع سردها صياح إحدى الجالسات وهي تخبط علي الطاولة بصوت مسموع وتقول بحدة:

-اباي عاد، بقي مجعينا علشان نسمع كلام فارغ عن العشق والحب وشغل قله الحيا ده.

تقف الطبيبة غاضبة وتقول:

-رقم اربعة من فضلك مكانك ومتكلميش غير لما يجي دورك احنا هنا علشان نسمع بعض.

تتحدث رقم ثلاثة وتقول معترضة: 

-بس أنا مش عاوزة اتكلم ولا عاوزة اسمع انا عاوزاكم تسيبوني في حالي وكفايا اوي اللي عشته.

تقف امرأة في الثلاثين تقول: 

-في إيه يا جماعة هيحصل إيه لما نسمع بعض ادينا بنتسلي ونضيع وقت بدل الملل ده خلينا نشوف حكاوي بعض يمكن نستفيد.

ضحكت فتاة أخري تقول: 

-انتم ليه عمالين بتهجمهوها احنا كلنا هنا الزمن جاي علينا كفايا، اسمعوها للآخر وخلوها تكمل.

التفتت الطبيبة لرقم واحد وقالت: 

-كملي حكايتك خلينا نعرف إيه اللي وصلك لهنا.

ابتسمت رقم واحد وأكملت:

-أنا كنت عارفة إن أنا حلوة وبصراحة كنت بستغل ده، تعبت من حياة الفقر وإن كلنا في أوضة وصاله، ايام كتير كنا بنام من غير عشا، امي كانت بتخدم في البيوت، لمحت نظرات الإعجاب في عيونه وأنا كمان عجبني جدا بس الغريب أنه يبص لوحده زيي بصراحة شكلي ولبسي كان بيدل علي شكل المكان اللي جاية منه اشتغلت شهر وهو علي نفس النظرات مش بيتكلم خالص معايا كل توجيهاتي كنت باخدها من رئيسي المباشر مش منه بس كانت حرب النظرات شغاله، الكارثة إن أنا حبيته بجد وبدأت اتعلق بيه اوي وحسيت أنه هو كمان بدأ يتعلق بيا، بدأ يجر معايا يوم في يوم المهم بدأنا نتكلم وبدأ في أحاديث بنا وتلميحات لحد ما في يوم صرح ليا بحبه وأنه معجب بيا من أول يوم، أنا زي أي بنت كنت طايره من الفرح، دخلي بإسم الحب حبيته ونسيت إن الروس استحاله تتساوي.

قطع حديثها رقم خمسة وهي تقول متحمسة:

-ها وبعدين، اتجوزك صح؟ هو ده الحب يا عالم.

رفعت رقم واحد عينيها وقالت بحسرة: 

-اللي زينا للمتعة بس، المهم هو اتجوزني عرفي شهر وللاسف طلعت حامل، خبر حملي كان كارثة له وصمم انزله.

شهقت فتاة تجلس بجوارها وقالت بصوت مسموع: 

-اما ندل صحيح، كملي حصل ايه؟

أكملت رقم واحد: 

-لما لقاني مصممة علي الطفل فجأة اتغير من شخص معترض ومتعصب لواحد هادي وبيضحك وشاف أن من حقي أكون أم، فرحت ولكن فوقت علي كارثة.

قالت فتاة بفضول: 

-ها ايه هي؟ طلقك ورماكي انتي وابنك  صح!

ضحكت رقم واحد وقالت: 

-لأ عمل الاكتر، الاستاذ كان محترف حطلي مخدر في العصير صحيت لقيت نفسي في عيادة تحت بير سلم ومرمية علي الارض عرفت انهم اجهضوا الطفل وشالو كمان ليا الرحم علشان جسمي مستحملش وكنت بنزف واتحرمت العمر كله من أن أكون أم في الاخر واترميت هنا  ووصي عليا الدكاترة أن مخرجش في حياتي نهائي.

تقف فتاة وتقول بدون مقدمات:

- أنا بقا بكون رقم اتنين، مصبتي أكبر أنا حملت من جوز امي اللي كان علطول بيهددني أنه هيرميني انا وامي في الشارع لو ما عملتش اللي هو عاوزة.

قاطعت كلمتها الطبيبة:

-ممكن تهدي وتتكلمي من غير عياط احنا كلنا سامعينك.

أكملت رقم أثنين:

-المهم كل مرة كان بيلمسني كنت بقرف منه اكتر كان مقزز مقرف في كل حاجة لحد اليوم اللي عرفت فيه إن أنا حامل جريت عليه رد قالي وانا مالي شوفي انتي غلطتي مع مين وكمان خلى أمي تتعصب عليا وتنزل فيا ضرب لحد ما نزلت الطفل اللي في بطني.

ودخلت في نوبة بكاء حادة فقامت الطبيبة من مكانها وقالت:

-اهدي وكملي براحه خلاص اللي حصل حصل.

مسحت دموعها وأكملت بغل: -بصراحة لما فوقت محستش غير وانا بغرز الس*كينة في قلبه قت*لته وجالي انهيار عصبي ودخلت هنا.

نظرت الطبيبة وقالت:

-كفايا كده استراحة عشر دقائق، يلا كملوا فطاركم.

تبادلن النظرات وعمت حالة من الصمت المكان وشردت كل واحدة منهن في عالمها اللا نهائي

حتى قطع حبل الصمت دخول الطبيبة مرة أخري وهي تقول:

-ها يا بنات خلصتوا أكل؟ ولو أن شايفة الأكل زي ما هو بس تمام نرجع لكلامنا مين عليها الدور؟

تقف فتاة ملامحها تدل أنها من أهل الجنوب تقول بحدة:

-أنا بقا بكون رقم أربعة، انا بقا ابويا باعني قدام الكل ومحدش قدر يفتح خاشمة باعني وقبض تمني بحجة يربي اخواتي صغار باعني لراجل اكبر مني بعشرين  سنه.

تقطع حديثها واحدة من الجالسات:

-هو يعني ايه باعك؟ أنا مش فاهمة ده ابوكي يعني ما ينفعش يعمل كده!

ضحكت رقم أربعة وأكملت: 

-باعني بإسم الجواز.

تقول نفس الفتاه: 

-يعني جوزك  يبقي اسمها جوزني مش باعني علشان الكلام يكون واضح.

وفجأة نهضتت رقم أربعة وكان قد تحكمت بها دمائها الصعيدية المتعصبة فجذبت الفتاة من شعرها وقالت بغضب: 

-اقفلي خاشمك ده عاد طالما معشتيش عيشتي يبقي تخرسي ولو مش لازمك تسمعي اخرجي برا لكن تحكمي علي حكايتي لع.

قامت الطبيبة مفزوعة من مكانها وهي تصيح:

-جرا إيه يا رقم اربعة اهدي واقعدي ما انتي كمان عملتي زيها وحكمتي علي حكاية رقم واحد من قبل ما تتكلم معملتش زيك اتفضلي مكانك.

ثم نظرت لهم وقالت:

-لو سمحتم مش عاوزه حد يحكم علي حد إحنا مش قضاه علي بعض هنا وبلاش دور الجلاد ده.

جلست رقم أربعة وابتلعت ريقها وقالت وهي تنظر للا شيء:

-كان عندي ١٥سنه وكنت قاعده  بلعب جدام الدوار ومش مهتمة بالي بيحصل من حواليا بالاخص داخل الدوار، أني كنت طفله معرفش حاجة ولكن فوقت علي صوت زغاريد طالعة من جوة الدار عندنا جريت علي الصوت،

المهم دخلت أجري  اشوف  مصدر  الصوت لكني وقفت مصدومة مكاني لقيت كل اللي في البيت يهنيني بأنهم كتبوا كتابي علي ابن عم ابوي الي كان أكبر مني بعشرين سنه، كان في نفس سن ابوي اكده.

التفتت يمينا ويسارا وقالت بصوت مختنق:

-كيف يعني مافهماش حاجة، كيف انا اتجوزت عاد تعرفوا أبوي رد قالي ايه! جالي هتتجوزى كيف ما أي بنته ما بتتجوز.

قالت له بعينين دامعتين:

-بس أنا يا ابوي رايده اكمل علامي عاد مريداش اتجوز، غير إن واد عمك ده متجوز عاد وعلي ذمته اتنين، غير أنه في نفسك عمرك كيف يابوي عترميني الرمية دي عاد انا خلاص فاضلي سنة واخد الدبلوم، ونبي يا بوي سيبني اخلصه انا رايده العلام وكمان واد عمي ميلدتش عليا واصل.

وفجأة سكتت جميع الأنفاس وقام الأب من مجلسة وصفعها أمام الجميع:

-نزل الجلم علي وشي شعل جواتي الخذلان.

عندما يخذلك أقرب الناس إليك قد تتوقف عجلات الزمن عندها وقد علم الجرح بداخلك وترك أثر لا يمكن أن يمحى مع مرور الزمن.

المهم أنها استسلمت للأمر الواقع وما كان بيدها حيلة فهي الفتاة وفي عرفهم ليس لها رأي بعد راي كبيرهم. 

تزوجت من أحمد وكان يكبرها بعشرين عاماً وأصبحت الزوجة الثالثة وهي لا زالت طفلة.

اكملت بحزن:

-مشاعري كبرت وعجزت من قبل ما تتولد وأحمد مكانش العوض ليا، لكن كان ابشع ما كنت اتخيل كنت خدامة لضرايري وفي الليل  كان يشبع فيا رغبته تحت ضر*ب وعن*ف وده زود غيرة ضرايري مني، أنا كنت صغيرة وجميلة لكن ده مشفعليش وخلى حظي أحسن وزي ما بيجولو الحظ السيء بيلازم صاحبة للقبر

والجمال ممكن يكون نقمة لصاحبة.

بكت بحرقة وهي تضيف:

-اتفننت حريمه في تعذيبي لاني كنت في سن أولادهم، لكن الغيرة قد عمت جلوبهم وكنت  طول الليل اسهر لراحة جوزي وطول النهار أخدم حريمه وولاده لحد اليوم اللي متحملمتش تعب الخدمة

وغميت وأول ما جه الدكتور زف لي خبر حملي.

ابتلعت ريقها ومسحت دموعها تكمل:

-الخبر ده خلى ضرايري  يكرهوني اكتر  وفضلت طول حملي اخدم فيهم غير ضرب جوزي واهانته واللي كان مصبرني ابني اللي في بطني قلت اكيد ده عوض ربنا، لكن  كان اتاريهم بيدبروا وبيكيدوا ليا وصبروا لحد ما ولدت وأخدوا مني ابني وجم روموني اهنه بحجة أن اعصابي تعبانه وملحجتش حتي اشم ريحته أو احضنه.

اجهشت بالبكاء تحت نظرات عطف من الكل فقامت فتاة بملامح ملائكية تضحك وتقول:

-أنا بقا غير كل دول أنا اخترت طريقي بمزاجي ما كنتش حابه حياتي ولا حابه الدراسة كنت ناقمة علي أي حاجة اهلي بيعمولها، اخترت الطريق السهل وطبعا كلكم عارفين ايه هو الطريق السهل وفعلا عملت فلوس كتير اوي لحد في يوم ما ربنا وقعني في واحد نرجسي خرج القديم والجديد عليا، كان كل يوم ضرب وتعذيب لحد ما عملي تهتك في اعضائي الداخليه وعاهات مستديمة وفي الآخر جه رماني هنا وأخد فلوسي كلها.

وقفت الطبية وقالت:

-لحد كده وكفايا تمام كلنا سمعنا حكايات بعض، اللي أقصده من اللي أنا عملته أن كنت عاوزة أوصل ليكم أن كل واحده لما تسمع مشكلتة غيرها تعرف أن مشكلتها مش نهاية العالم ولازم تعرفوا إن الضربه اللي متموتش بتصنع  منكم جبروت وإن انتم مش ناقصين عشان يكملكم حد، انتم كاملين بذاتكم وبنفسكم وانتم من هنا هتبدأوا  تكتبوا أول سطر في صفحتكم الجديدة انتم باديكم هتبدأوا ترسموا حياتكم الجديدة.

لا تجعلي أحداً يهز ثقتك بنفسك وبسبب لكِ جرحاً، هو لن يبق معك طوال العمر؛ فلن يبق لكِ سوي نفسك، كوني أنتِ كوني قوية بذاتك وأعلمي أن أول اختيار إن لم يكن صحيحاً فستظلي طوال عمرك تدفعين الثمن بحزنك عليه وعلي نفسك، فليس كل من تقابليه سينفعك وليس كل من يلمع من الخارج يلمع من الداخل.

لا أحد يكمل أحد فأنت كاملة ولست بناقصة ليكملك أحداً

كوني أنتِ وكفى.

من لا يأتي من تلقاء قلبه....أنتِ لست بحاجة إليه. ....

الحب ليس تعويض نقص. .....الحب اكتمال روح. .

انتِ لست بناقصة ليكملك أحداً أنتِ مكتملة بذاتك كونتي أنتِ 

تمت