حماة الوطن أمانة قوص يحتفل بذكري ٢٣يولو١٩٥٢ - الهرم المصرى نيوز

   

«قصة قصيرة» 

«رعب و خيال»            

الكاتبة: ابتسام إبراهيم نوار

اُدعى محمد جمال دكتور مختص في التشريح و ما شابه ، غايتي تشريح الجثث و كنت أحب هذه المهنة رغم صعوبتها و حدتها و غموضها المرعب فالتشريح فن بالنسبة لي لا يجيدها إلا العباقرة، و خصيصاً لشخصيتي الغريبة و الغامضة للجميع يقولوا عني أني مصاب بمرض نفسي، لوحدتي و حبي للعزلة ، لكن الأهم أني أعلم بولهي و عشقي لمهنتي التشريح   

و في يوم من الايام دخلت المشرحة الساعة العاشرة مساءاً و عمري في ذلك الوقت ثلاثون عاماً كنت أعمل على جثة طفلة صغيرة ظهر لي أنها في التاسعة من عمرها أو ما شابه ذلك، جسد الطفلة الميتة يبدو لي بالفظاعة، أزرق اللون و كأنها ماتت مسمومة بسم قاتل، يديها مقبضة ، لديها في يدها اليمنى ثلاثة أصابع مقطوعة ، أظافر قدميها و يديها قذرة و طويلة، اصفرارها يغطي علي قذارتها  ، و تضع يديها الاثنتان على صدرها، تشبه وضعية الفرعون و هو محنط ، عينيها مفتوحة و واستعان تظهر بؤبؤ عينها السواد الحالق، المخيف لمجرد التحديق بها لفترة،  شعرها قصير و مجعد بلون الجحيم الاسود ، شكلها يدل على الرعب و الغموض حقاً، طلب مني مدير قسم التشريح الدكتور علي أن أعمل على تشريحها، عندما رفض كل الأطباء تشريحها  ، لخوفهم و صدمتهم من شدة منظرها اللعين،  أصابني إحساس بالخوف و لأول مرة في تاريخ عملي 

فتحت حقيبة أدوات التشريح و أعددتها للبدء و فتحت باب الثلاجة التي بها هذه البنت، برقم117   عندما فتحت باب الثلاجة و رأيت جثتها شعرت بالقشعريرة و الخوف شعرت بالحر و بدأت بالعرق، وبدأ العرق يصب من جبيني برغم أننا كنا في فصل الشتاء و الجو بارد جداً 

أنزلت الجثة و وضعتها في المكان المخصص لتشريح و بدأت بأخدة عينة من دمها لكي أحللها، شعرت بعدم الارتياح بتواجدي في المشرحة هذه الليلة، قمت بتحليل الدم ظهر لي أنها لم تموت مسمومة و أن عينة الدم طبيعية!  

فلماذا جسدها لونه أأزرق ؟!  

كانت الساعة الحادية عشر مساءاً و شعرت بالنعاس فقمت بإدخال الجثة إلى الثلاجة و ذهبت إلى المنزل، بعدما غرقت في النوم استيقظت علي كابوس مزعج شاهدت فيه هذه الجثة التي كنت أعمل عليها اليوم و هي تريد قتلي و كانت تحاول أن تخنقني، يا له من كابوس لعين  و بعدها حاولت أن أنام لكن لم أستطيع النوم مرة أخرى 

و في نهار اليوم التالي ذهبت إلى المستشفى و دخلت قسم التشريح و أخرجت جثة الطفلة لأطلع عليها فوجدت كل شيء طبيعي، بدأت بتشريح، وضعت المشرط على الجثة وجدت أن درجة حرارة جسدها ترتفع شيئا فشيئا و هذا غير ممكن، إنها ميتة كذبت نفسي و قولت لربما بسبب إخراجها من الثلاجة حدث ذلك، رغم أن لم يمر ربع ساعة على خروج الجثة من الثلاجة، أدخلتها الثلاجة، و خرجت من قسم التشريح فكرت حينها ما السبب وراء ارتفاع درجة حرارة الجثة رغم عدم مرور الكثير من الوقت علي خروجها من الثلاجة لكن لم أجد الإجابة علي هذا السؤال، رجعت إلي قسم التشريح في الساعة السابعة مساء و أخرجت جثة الطفلة مرة أخرى و وضعتها في المكان المناسب لكي أبدا بالتشريح، التفت خلف الجثة لكي أجلب المشرط و أبدا، حينها سمعت صوت همس خلفي فالتفت مسرعاً لكني لم أجد شيء و كان كل شيء طبيعي و علي ما يرام، فالتفت مرة أخرى لكي أمسك أدوات التشريح، هذه المرة سمعت صوت غليظ و ضحك و لكن لم أفهم ما سمعته أظن أنها  طلاسم أو مثلها لا أدري، فنظرت إلى الجثة لكن كل شيء طبيعي حينها شعرت بالخوف الشديد و أدخلت الجثة الثلاجة مرة أخرى و أسرعت بالخروج من المشرحة  

رجعت إلي بيتي فوراً كنت أشعر بالندم لقيامي بالبدء بتشريح هذه الجثة الملعونة و في صباح اليوم التالي كنت خائف من الذهاب إلى هذه المشرحة مرة ثانية لكن جمعت قوتي و شجاعتي و ذهبت إلى المشرحة لكن هذه المرة أخذت معي زميلي عمر كان صديقي منذ الثانوية العامة و هو الآن طبيب أيضا و لكن في مجال الطب النفسي 

دخلنا المشرحة و فتحت باب الثلاجة رقم 117 لكني لم أجد جثة الطفلة و لا أعلم أين اختفت و هل تمت سرقتها،  عقلي مشوش و غير قادر علي التفكير، صُعقت لما يحدث، قمت بإخبار مدير المستشفى السيد كمال و مدير قسم التشريح الدكتور علي و قاموا بأخذ الإجراءات اللازمة لكن لم نجد هذه الجثة مرة أخرى و لا نعلم أين اختفت 

بعد مرور شهر علي الحادثة ------ 

 

كانت حياتي تسير على الشكل المعتاد لكن في هذا المساء حدث شيء مفزع لي،  كنت أجلس أشاهد فيلم أكشن علي التلفاز لكن فجأة حدث شيء غريب، وجدت التلفاز يقلب القنوات الفضائية من تلقاء نفسه و أنا لم أقوم بقلب علي القناة التي كنت أشاهد عليها  و كان جهاز التحكم في يدي حقاً إنه لشيء خيالي هل أنا أحلم أو أتخيل و بعد بضعة دقائق من الدهشة وجدت أنوار المنزل غير مستقرة حيث أنها تضئ و تنطفئ  بشكل غريب و في وسط هذا كله رأيت شيء غريب علي الأرض، يقترب منيأكثر فأكثر لكن عندما أصبح بيني وبين هذا الشيء مسافة مترين، أدركت أن هذا الشيء هو هذه الجثة الضائعة، جثة الطفلة الصغيرة ، كانت تأتي بتجاهي  

قالت لي بغضب و هي تسحف علي الارض و تنزف الدماء من عيونها و أصابعها المقطوعة  

-أنت السبب 

بدأت أرتجف و لم أتجرأ بالتفوه بكلمة و أو التحرك خطوة واحدة، متى صرت بهذا الجبن؟!  

و بدأت تتحدث بلغة غريبة أو طلاسم، لم أفهم ما كانت تقصده بما قالته لي و لسبب ما اختفت هذه البنت الصغيرة أو المعني الحقيقي أنها شبح ، اختفت من أمامي و عاد كل شيء كما كان، يا الله ما هذا، ارحمني، لا أقدر على تحمل هذه المعاناة، لم أنم طوال تلك الليلة الجحيمية  

    و في صباح اليوم التالي أخبرت صديقي عمر و مدير المستشفى السيد كمال و مدير المشرحة الدكتور علي، عما حدث معي بالأمس لكنهما لم يصدقوني  و صخرون مني  

 

و بعد مرور أسبوع-------- 

بدأت بنسيان الامر، و إكمال بومي بشكل روتيني كالعادة، كان الوقت متأخر و كنت أسير في ممر المستشفى في قسم التشريح لم يكن أحد غيري في قسم التشريح، تخيلت بأن أحد جري من جانبي بسرعة كبيرة فالتفت خلفي لكن لم يكن أحد غيري في الممر  

 

استمريت بالمشي من أجل الخروج من المستشفى لكي أعود إلى المنزل، و أنا أسير سمعت صوت ضحك و همس خلفي خوفت أن أنظر خلفي فأجد تلك الجثة مرة أخرى، لهذا أسرعت راكضاً حتى خرجت من المستشفى كلها لم أمتلك الشجاعة للالتفات خلفي، و أخيراً وصلت لمنزلي و لكن لم تنتهي هذه الليلة المرعبة بعد، عند دخولي المنزل و أغلقت الباب، تسمرت مكاني حينها، رأيت شبح هذه الجثة تجلس على الأريكة التي توجد في حجرة المعيشة و كانت تنظر إلى و كأني أنا من قمت بقتلها، كانت غاضبة، و كئيبة ، مخيفة ، لم أعلم ماذا تريد مني  ، عندما رأيتها لم أتحرك خطوة واحدة كانت تنظر لي بتأمل مخيف و فجأة رأيتها تجري بتجاهي و تصرخ بصوت بشع و غليظ ثم قامت بدفعي فوقعت أرضاً، وضعت يديها علي رقبتي و كانت تريد خنقي ، عندما كانت تجلس فوق صدري رأيت عينها تتحول للون الاحمر و نزلت منها قطرات دماء فأمتلئ وجهي بالدماء و فتحت فمها و  أسنانها قذرة لم أعلم ماذا أفعل في هذا اللحظة فقمت بدفعها إلى الخلف، تذكرت أني كنت أضع مسدس في رف من مكتبة الكتب التي كانت علي تبعد بضعت أمتار فقط فأسرعت بتجاه المكتبة و مسكت المسدس في يدي و أطلقت أول طلقة منه لكن حينها اختفى ذلك الشبح  

بعد مرور يومين ---- 

كنت في المشرحة أعمل علي جثة أخرى 

و بينما أنا أعمل ، فجأة رأيت شبح الطفلة مرة أخرى كانت تقف أمامي في هدوء تام  

جمعت شجاعتي و سألت 

- من أنتي ؟؟ لماذا تطاردني ؟؟  

أجابت و هي تلوي رقبتها بمرونة لا يفعلها بشر   

- أنا قدرك الاسود هههههه  

قلت بخوف و توتر و العرق ينهمر من جميع جسدي 

- أنا ماذا فعلت لكي ؟؟ 

قالت بغضب 

- خطأك أنك كنت تنوي تشريحي  

ثم تبخرت مثلما يتبخر الماء، أسرعت بالخروج من المشرحة تارك خلفي كل شيء و أخبرت صديقي عمر عما حدث معي فقال لي في استهزاء  

- حسنا سوف أدخل بنفسي إلي المشرحة للتأكد  

بعد عشر دقائق ساعة  

عاد عمر و قال لي بضحك  

- لا شك أنك كنت تتخيل، أنا لم أجد أي شيء هناك 

 قلت في غضب و توتر 

- أنت تمزح صحيح  

قال لي في هدوء تام و برود  

- لا يا صاح ، أنا لا أمزح معك 

 

سألته و أنا خائف 

- هل وجدت الجثة الأخرى التي كنت أعمل عليها اليوم؟؟ 

قال و هو ينظر إلى 

- نعم وجدتها ، و قمت بإدخالها الثلاجة لكي لا تتعفن  

- حسنا شكرا لك يا صديقي 

قال لي و هو خائف علي و كان يضع يديه علي كتفي 

- أظن أنك تحتاج إلى إيجازه من العمل لكي ترتاح قليلا ، لأن حالتك النفسية تدهورت  

قلت له في تأكيد إقراره 

- اظن ذلك هو الحل الامثل الان  

سألت الدكتور علي في استغراب و إعجاب  

- من أين جاءت جثة الطفلة التي كنت أعمل عليها منذ بضعة أشهر؟؟ 

فقال في قلق  

- و ما الذي جد في هذا الموضوع لكي تتذكره الان؟؟ 

فقلت له في تعجب  

- لم يجد أي شيء لكن عندي فضول تجاه هذا السؤال 

- حسنا سوف أخبرك، هذه الجثة وجدت بقرب من الغابة التي بجوار المستشفى 

قلت له بفضول  

- هل تعرفون شئ عن أهلها، أو من تكون ، أو ما اسمها ؟؟ 

- لا، لا يوجد أي معلومات عنها حتى الأن  

بعدها طلبت من مدير القسم أخد إيجازه ، لكي تتحسن حالتي الصحية ، فوافق على إعطائي إيجازه لمدة شهر  

كنت أعيش لوحدي في المنزل فأنا شاب أعزب ، و لم يكن لدي أخوة ، وأبي و أمي متوفيان  

 

بعد مرور ثلاثة أيام علي أخذ الاجازة     

بدأت تأتي لي كوابيس و أتخيل بأصوات أشياء غريبة و مخيفة  ، أرى أثار أقدام دم علي أرضية منزلي و أصوات تأتي من كل مكانو في مساء اليوم الخامس من إجازتي ، كنت حينها أتناول طعام الإفطار علي الطاولة المستديرة و التي تتكون من مقعدين أمام بعضهما  

بينما أنا أتناول طعامي سمعت صوت سير بأقدام أحد علي الأرض ، كانت تسير ببطء، و في نفس الوقت أنوار المنزل غير مستقرة تضئ و تنطفئ و تصدر صوت طنين ، كانت تتسارع سير الاقدام شئ فشيئا ثم توقفت فجأة، بينما الاضواء كما هي غير مستقرة  

و فجأة وجدت شبح الطفلة يجلس أمامي علي كرسي طاولة الطعام 

أصابني الزعر في ذلك الوقت ، و لم أجرى علي التفوه بكلمة واحدة ، و حتي أنا أهرب ، أو أصرخ ، أستمرت في النظر إلي و هي تطرق بأصابع يدها اليمنى السليمة علي طاولة الطعام ، و أصابعها المقطوعة ، تنزف دم يقترب إلي السواد  

و استمرت تطرق و تطرق ، بينما أنا لا أمتلك الشجاعة علي التحدث لها 

فقالت لي في غضب  

- هل تعلم من أنا ؟؟ 

كنت أحاول النطق ، فبلعت ريقي و تفوهت بصعوبة  

-  لا ، لا أعلم   

- ههههههه ، أنا ألمي ، و أنا من الجن ، هل تعرف ما الذي أريده منك ؟؟ 

بخوف  

-  ماذا تريدين مني ؟ 

قالت في هدوء و غموض  

- أريد روحك ، و سوف أنزعها منك اليوم  

تملكت أعصابي ، و أسرعت في النهوض و الجري ، لأجلب أي شيء يساعدني في التخلص منها، وجدتها ممسكه بقدمي اليسرى و تعض فيها بأسنانها الحادة و القذرة  

كنت أحاول  إفلات قدمي من بين يديها لكن محاولتي كانت تبوء بالفشل، بدأت بالزخف  و أنا أجر قدمي بصعوبة  بتجاه شوكة القش التي أدخلتها في المنزل من أجل تقليب النار التي توجد في المدخنة، أمسكت بالشوكة ، و حاولت قتلها بها و إدخالها بداخل برأسها ، لكنها أوقعتني أرضاً ، و رمت الشوكة من يدي ، فأسرعت بالنهوض مرة أخرى، و أمسكت بالشوكة  

في هذه اللحظة أصدرت صوت لعين ، و عالي ، أصابني بالزعر ، لكني أجمعت قوتي و غرست الشوكة في رأسها ، كانت تمر من عينها و بدأ الدم بالانسياب في كل أرجاء الأرضية  ، و بعد هذا كله حاولت الاقتراب مني و أنا ممسك بها،  

و جاءتني فكرة ، أن أقوم بوضعها في المدخنة المشتعل بداخلها الكثير من النار، أجمعت قوتي و رفعتها عالياً و أنا ممسك بالشوكة و هي معلقة من رأسها بها، و وضعتها داخل المدخنة  ، كانت تشتعل ، و تصرخ قليلا ، ثم تضحك مجدداً، و كانت تقول لي في هذه اللحظة  

-  سوف أموت ، لكني سأخلد في عقلك إلى الابد لن تتخلص مني أيها الغبي 

قالت شعوذة و طلاسم ، لم أفهمها كأنها رمتني بلعنة  

استمريت أنظر إلي المدخنة حتي أصبحت رماداً 

 

و بعد مرور شهر  

كنت أحلم بكوابيس ، و أصبحت أتعالج من مرض نفسي ، دون جدوي و ها أنا لم أدخل المشرحة منذ هذه الحادثة ، و لن أدخلها مرة أخرى في حياتي 

أصبحت أرى شبح ألمي كل يوم ، كانت ترافقني في كل مكان ، و تنظر لي بغضب ، لكنها لم تحاول أن تؤذني ، أو أن تتحدث معي ، كل هذا بسبب الطلاسم ،او اللعنة التي قالتها لي  

و منذ ذلك الوقت أصبحت المشرحة محرمة ، عندما أسمع اسم المشرحة أمامي ، أتذكر كل ما حدث معي  

 

إلي اللقاء إيتها المشرحة التي قلبت حياتي ، و دمرتها ، إلي اللقاء يا مهنتي التي كنت أحبها في يوم من الايام ، إلي اللقاء يا ذكرياتي الجميلة،  فأنا أصبحت مريضاً نفسياً