حرائق سارة - الهرم المصرى نيوز

 

ممدوح العيسوى

يكتب :

هل قرأنا آيات القرآن الكريم التى تتحدث عن تاريخانا نحن الجيبتيين بعقل وتدبر كما أمرنا المولى عز وجل ؟

دعونا نتدبرها تدبيراً عقلانياً ونعيد كل شئٍ إلى نصابه الصحيح ونُعمِلُ العقل فى إعادة تصحيح وبناء المفاهيم الخاطئة التى ترسخت فى أذهاننا طوال السنين الماضية 

كثرت قصص وحكايات بنى إسرائيل بمصر فى الكتب السماوية ، كثرةً أثارت الأنتباه ، وانعدم وجودها تماماً فى الآثار ومخطوطات التاريخ إنعداماً يدعو للدهشة والتساؤل 

أتت الكتب السماوية بتفصيلات لكل شيئ [ دخول وتعذيب وهروب وسحر وقتل وضربات وإنتقام ومعجزات وخروج ] كل هذا تم رغم صمت الآثار وكتب التاريخ صمتاً مطبقاً ، وبسبب هذا الصمت أصبحت المرجعية لقصص وأساطير بنى إسرائيل وليس لحقائق تاريخية أو أثرية أو دينية محايدة ، وأستغل البعض صمت الآثار وكتب التاريخ ، فكتبوا وزادوا فى أتجاه معين ، تخرج منه وأنت على يقين أن مقصدهم إدانة بلد بعينه ، وتلطيخ وتكفير تاريخه كهدف رئيسى ووحيد وذلك البلد هى [ إيجيبت ] 

 هل وقع فعلاً هذا الخطأ ؟ نعم وقع . موسى عليه السلام رسول الله ارسله الله إلى المصريين ، سكان وادى النيل الكفرة ، لكنهم حاربوه وعذبوه هو وأتباعه [ بنى إسرائيل ] فأغرقهم الله فاستحقوا اللعنة .

بلاد مصر .. بلاد وادى النيل .. بلاد كافرة ، وأهل تلك البلاد مجرمون لأنهم سجدوا لملكهم فرعون ، الذى طغى وتكبر وقال أنا ربكم الأعلى ، أهم من هذا أنه عَذَّبَ بنى إسرائيل .

هذا هو ملخص القصة الموجودة فى كل كتب التفاسير وقصص ألأنبياء بل وفى عقول كل الناس ، ومنعوا الناس عن مجرد إعمال العقل الذى كرم الله به بنى آدم عن باقى المخلوقات ، فإذا أردت أن تكون مؤمناً فعليك أن توقف عقلك وتؤمن إيماناً أعمى ، وإلا تُتَّهَم بالكفر .

لقد أتخذت القرآن الكريم كمصدرٍ تاريخى وأعتمدت عليه بشكلٍ أساسى ، وأتخذت التوراة كشاهدٍ فى كثيرٍ من المواقف ، وإن لم تخلوا من بعض التحريف فى أثناء النسخ ، مثلما حدث مع كلمة كتبوها فى لحظة ضعف سياسى لبلادنا ، فقد أقحموا اسم بلادنا بدلاً من البلد التى تمت فيها تلك القصص .

وأخيراً وقبل القراءة الدقيقة لقصص بنى إسرائيل من واقع القرآن الكريم كمصدر أساسى للتاريخ علينا :

أولاً : أسترجاع قول الإمام محمد عبده [ لا حاجة لنا فى فهم كتاب الله إلى غير ما يدل عليه بإسلوبه الفصيح ، فهو لايحتاج فى فهمه إلى إضافات ولا ملحقات ، وهو الدليل وحده ، وما عداه مما ورد فى ألأخبار سواء صح سنده أو ضَعُفَ فليس مما يُوجِبُ القطع عند المسلمين ] .

ثانياً : الإستعانة بنظرية " النظم " التى وضعها عبد القادر الجرجانى فى كتابه " دلائل الإعجاز " والتى تقول ببساطة [ تأتى ألفاظ القرآن على قدر معانيها دون لىِّ عنقها وتحويرها وتأويلها ] .

ثالثاً : ألرجوع إلى قول العلاَّمة الشيخ عبد الوهاب النجار [ إن أكثر التفسير المأثور قد سرى إلى الرواه من زنادقة اليهود والفرس ومسلمة أهل الكتاب ، وقد فاضوا علينا ثروة من تلك الإسرائيليات التى لم يُنزل الله بها من سلطان ولا يمكن أحد من المسلمين أن يجعلها برهاناً على أمرٍ من الأمور .

إذا ما أتخذنا من القرآن الكريم مرجعية وحاكمية على المرويات بسبب نظامه المحكم وطبيعته القطعية الثبوت ، سنكتشف حقائق صادمة بالقرآن الكريم تتناقض تماماً مع ما درجنا على فهمه وورثناه ، لهذا فأنا أزعُم أن قصص يوسف وموسى وفرعون التى غرسوها فينا ليست هى الموجوده بالقرآن الكريم .

فرعون أسم علم وليس لقب

أصبح هذا الأسم لُغزاً لابد من حله : 

بحث رجال الأثار فى كل آثار بلادنا عن مصدر هذا الأسم فلم يجدوه ولأن هذا الأسم وُجِدَ مقترناً بمصر فى أسفار العهد القديم المقدسة ، فلابد من إيجاد مصدر له ببلادنا وبأى طريقة ، فأفترض بعضهم أن كلمة فرعون مشتقة من اللفظ " بر- عا " ، ولمَّا كان هذا اللفظ هو اقرب الألفاظ لأسم فرعون ، فقد ثَبُتَ وتقنَّنَ واصبح هو التفسير التقليدى واستراحوا ، عندما قالت التوراة أنَّ حاكم مصر أسمه فرعون ، قام الجميع بتفصيل أسم فرعون وإلباسه لحاكم بلادنا [ بلاد وادى النيل ] ثم عَمَّموا هذا الأسم على كل حكامنا مقترناً بالكفر ثم غطوا بالكفر شعب الحاكم والبلد كله . 

كلمة " فرعون " أسم علم لرجل ، وهذا الأسم لا يمت بصلة لأسماء وألقاب ملوك وادى النيل وإليكم ادلة أرجو أن تكون قاطعة :

أولا : لم يأتى هذا الإسم فى القرآن الكريم جمعاً قط ، فلم ترد ابداً كلمة الفراعين او الفراعنة على غرار الملوك والأمراء ، ذلك لأن أسماء الأعلام لا تجمع .

ثانياً : جاء إسم فرعون ملازماً لإسمين لشخصين من الأعلام ، مرة قبلهما ومرة اخرى بينهما ، فلابد لغويا من أن تكون كلمة فرعون أسم لشخص مثل ما قبلها وما بعدها فقال تعالى [ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطانٍ مبين إلى فرعون وهامان وقارون ] 23 غافر 

وقال تعالى [ وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات ]  39 العنكبوت .

ثالثاً : جاء اسم فرعون مصحوباً ب " ياء " النداء وهى تأتى مع أسماء الأعلام مثل " يا محمد " أو غير ذلك ، ففى القرآن الكريم :

[ وقال موسى يا فرعون ] 104 الأعراف 

ففرعون أسم علم لرجلٍ وليس لقباً ، وإلَّا كانت قد جاءت يا أيها الفرعون على غرار الآية الكريمة [ قالوا يا أيها العزيز مسَّنا وأهلُنا الضُّرُّ ] 88 يوسف .

بل إننا نقرأ محادثة فى القرآن الكريم بين موسى وفرعون يتحدث فيها كل منهما إلى الأخر بأسمه المجرد بدون تكليف قال فرعون :

[ إنى لأظنك يا موسى مسحورا ] 101 الأسراء 

ورد عليه موسى [ وإنى لأظنك يا فرعون مثبوراً ] 102 الأسراء .

رابعاً : رغم مجيء الأنبياء إبراهيم ويعقوب ويوسف عليهم السلام لأرض مصر ومعاصرتهم لحكام فى عصورهم ، لم يطلق على أى من هؤلاء الحكام لقب فرعون ، فالحاكم الذى عاصر إبراهيم أُطلق عليه الملك ، والحاكم الذى عاصر يوسف أُطلق عليه الملك فى خمس مواضع فى القرآن الكريم ، وهناك أيضاً العزيز ، بينما الحاكم الذى عاصر موسى أطلق عليه فرعون ( من دون " ال " التعريف ) فى أربعةٍ وسبعين موضعاً ، ألا يدل كل هذا على أنه اسمه المجرد ؟. 

تمسك الكثيرون بأنَّ كلمة فرعون مشتقة من كلمة ( بر- عا ) ومعنها ( بالجيبتية = القبطية ) ( البيت الكبير أو الديوان الملكى ) وهنا نقول لهم هل من المنطق أن يتحدث الله إلى فرعون بذكر ديوانه الملكى كتعبير مجازى وكأنه يُجِلَّهُ ويُعَظِّمَهُ ؟ وفى المقابل ينادى الله رسوله الكريم بأسمه موسى ، وكيف يستقيم أن تكون معنى الآية [ نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق ] 3 القصص ، كأنه يقول [ نتلوا عليك من نبأ موسى والديوان الملكى بالحق ] وكيف يكون منطوق الآية [ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطانٍ مبين إلى فرعون وهامان وقارون ] 23 غافر ، وكأنه يقول [ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى البيت الملكى الكبير وهامان وقارون ] وكأن الله يُفَخِّمُ ويُجِلُّ ويحترم فرعون بدلاً من أن يُهينهُ .

عرض الأستاذ سعيد ابوالعينين فى كتابه ( الفرعون الذى يطارده اليهود ) سؤال على خمسة من رجال الدين الأفاضل وهذا نصه 

إذا لم يكن أسم هذا الملك فرعون فلماذا لم يذكر القرآن الكريم أسم هذا الملك الجبار ؟ فأجاب حضراتهم بأن الله قد أخفى اسمه لأنه لا فائدة من ذكره ، لأن القرآن يستهدف العبرة من التاريخ .

ومع احترامى لإجابتهم .. فإنها ليست منطقيه لأن القرآن أتى فى نفس القصة بأسماء مثل قارون وهامان وكلاهما كانا جباراً ومعاصراً لفرعون ، وفى آيات أخرى ذكر الله أسماء أخرى مثل عاد وثمود وآزر وغيرهم .

وألأن نستطيع الأجابة على السؤال ونقول : لا لم يتجاهل القرآن الكريم أسم هذا الملك الجبار ، الذى عذب بنى إسرائيل ، بل أورده فى القرآن أربعاً وسبعين مرة بأسمه المجرد ( فرعون ) .

كذلك بالبحث فى التوراة وجدنا أنها لم تتجاهله بل أتت به عشرات المرَّات مجرداً ( فرعون ) .

أولاً : ( ثم قال الرَّبُّ لموسى { بَكِّر فى الصباح وقف أمام فرعون ، إنه يخرج إلى الماء } . وقل له : هكذا يقول الرَّبُّ : أطلق شعبى ليعبدونى ) سفر الخروج 21- 8

ثانياً : ( فدعا فرعون موسى وهارون وقال { أذهبوا واذبحوا لإهِكُم فى الأرض } ) سفر الخروج 25- 8 

 ثالثاً : ودعا موسى جمبع إسرائيل وقال لهم : ( أنتم شاهدتم ما فعل الرَّب أمام أعيُنَكم فى أرض مِصرَ بِفرعون وبجميع عبيده وبكل أرضه ) سفر التَّثنية 2-29 . 

وتلك الآيات من التوراة ولم نجد فيها ذكر فرعون مقروناً           ب (أل ) التعريف ، وبهذا يتأكد لنا أنَّ فرعون أسم علم وليس لقباً     وقد أوردناه من القرآن الكريم ومن التوراة

فرعون آخر ملوك الهكسوس ألأعراب

وضع مؤرخ يهودى يدعى ( يوسيفوس ) فى القرن الأول الميلادى كتاباً بعنوان ( ضِد أبيون ) حاول فيه الدفاع عن قومه وعشيرته من اليهود ، وإثبات أن لهم أصلاً وتاريخاً وذلك رداً على المؤرخ الأغريقى ( أبيون ) الذى سب اليهود وأهانهم ونسب إليهم كل العيوب والنقائص ، ولم يجد يوسيفوس مرجعاً أفضل من كتاب للمؤرخ الجيبتى العريق ( مانيتون ) عن الهكسوس ،كتبه نحو عام 280 ق م. ( عاش " مانيتون " فى القرن الثالث ق م ، وولد بمدينة سمنود بالوجه البحرى ، وهو عالم شهير درس وتعلم فى معبد "أون" التى تعنى بلغتنا الأن "عين شمس" وفى آخر عهده كان كبير كهنة معبد "سمنود" الذى قتل بداخله على يد واحدٍ من بنى إسرائيل وله عدة كتب دينية وتاريخية ، وكان متبعاً لملة إدريس عليه السلام .

ومن أشهر كتبه "الجيبتيكا" وتعنى تاريخ إيجيبت الذى لم يتبق منه إلا مانقله المؤرخون اليهود مثل يوسيفوس والمؤرخون المسيحيون وكان آخرهم "سينكلوس" صاحب كتاب "تاريخ العالم منذ الخليقة حتى ديوكليتيان " .

* ويقول مانيتون فى كتابه ( فى عهد الملك "تيماوس" اصابتنا .. لست أدرى لماذا، نقمة من الإله ، فاندفع أقوام أسياويون من أصل وضيع ، جاؤوا من المناطق الشرقية ، هذه الأقوام كانت تدعى هكسوس ، ومعناها الملوك الرعاة ، وكانوا أعراباً وعبرانيين ويتكلمون اللغة الأرامية ) .

* يوسيفوس اليهودى أستشهد هنا بكتاب مانيتون ، ليؤكد لأبيون أن بنى إسرائيل كانوا هم أنفسهم الهكسوس ليتباهى بأحتلالهم لمصر . 

*يقول "مارييت" عالم الآثار أن قبائل الهكسوس كانوا خليطاً من العرب وأهل الشام وأكثرهم من الكنعانيين ، وأطلق عليهم فى التواريخ العربية " العماليق" .

* "هنرى بريستد" يرى أن أبناء يعقوب كانوا على أصح الأحتمالات عرباً تابعين لإمبراطورية الهكسوس مؤيداً بذلك نظرية يوسيفوس القائلة بأن بنى إسرائيل قوم من الهكسوس ، ولا يستبعد أن يكون وجود هؤلاء الأعراب بينهم سبباً فى تلقيب تلك الإمبراطورية بدولة الرعاة.

* "د/ احمد شلبى" يؤكد فى كتابه "مقارنة الأديان" أن الهكسوس هم قوم من الأعراب الذين ذكرهم القرآن الكريم بقوله [ الأعراب أشد كفراً ونفاقاً ] 97 التوبة.

* "زينون كاسيدوفسكى" يؤكد ذات المعنى فى كتابه(الواقع والأسطورة فى التوراة ).

 ومن المتوقع أن تكون عشيرة يعقوب قد جاءت مصر مع زحف الهكسوس أو بعد أن أقاموا سيطرتهم فيها ، وقد أستقبل يعقوب ومن معه أستقبالاً طيباً فى مصر لإنهم كانوا أقرباء المحتلين ، ومن جهة أخرى ليس من الصعب أن نتوقع أن الفراعنة الهكسوس كانوا يثقون بأنسابهم ألأسياويين ألذين يجمعهم معاً المنشأ والعادات واللغة .

الهكسوس لم يكونوا إذاً شعباً واحداً ، بل كانوا أحلافاً من جماعات وقبائل شتى من العماليق "الأعرب والعبرانيين" ومن بنى يهودا وبنى إسرائيل .

بنو يعقوب من أهم القبائل العبرية التى جاءت متعلقة بأذيال العماليق وبنى يهودا وبنى إسرائيل ، ومنهم كل الأنبياء الذين أرسلوا إلى أحلاف الهكسوس ، وكلنا يعرف مدى ترحيب الهكسوس بهذه القبيلة وكيف أكرموها وأعطوها أحسن الأراضى الزراعية ، ومنهم كان يوسف الصديق الذى أصبح الرجل الثانى فى البلاد بعد ملكهم ، وظل بنى يعقوب الذين أصبحوا ضمن عشيرة بنى إسرائيل مكرمين إلى أن حلم فرعون حلماً رأى فيه أنه سيأتى من بنى إسرائيل طفلاً يكون على يده نهاية ملكه ، ومن هنا بدأ تعذيب بنى إسرائيل وتقتيل ابنائهم، وبدأت المعركة بين فرعون وبنى إسرائيل ، بل إننا نجد فى طبقة الهكسوس الحاكمة أسماء من بنى إسرائيل مثل

 ( يعقوب هر- يعقوب بعل- يعقوب عم ) .       

دخول وخروج بنى إسرائيل من مصر

هاجم الأحلاف البدو أعراباً وعبرانيين بلادنا(إيجيبت)عام 1788 ق م ، وأطلقنا عليهم اسم الهكسوس ، وكانوا يطلقون على انفسهم أسم العماليق،واحتلواأجزاءً منها على مرحلتين ، الأولى استولوا فيها على مقاطعة تفصل حدود سيناء عن وادى النيل واعادوا تحصين إحدى مدنها واتخذوها عاصمةً لهم وسموها "هوارة" بلغتهم العروبية وهى تعنى"المدينة" ومنها بدأت المرحلة الثانية حيث أحتلوا أجزاءً من شرق الدلتا ، وظل هذا النفوذ طوال الأسرتين الجيبتيتين 15 و 16 ، 

و"المدينة" هو نفس الأسم الذى أستخدمه ألقرآن ألكريم فى القصة كلها. فى أثناء حكم ثانى ملوك الهكسوس "الوليد بن عبيد بن الريان" ،

ثم جاء يوسف ونزل مقاطعة الهكسوس ، وبعد ثلاثة أجيال أى بعد 135 سنة ، جاء موسى برسالته وكان فى عصر الملك فرعون آخر ملوك الهكسوس فهم قومه ويتحدث بلسانهم ، كما أقر القرآن وأورد ألمؤرخون المسلمون .

 ظلت المقاطعة الشرقية لحدود بلادنا محتلة حتى تكونت الأسرة 17 فى الجنوب 

( واست- طيبة- الأقصر ) وخرج ملوكها على الهكسوس ، وحاربوهم وحاصروهم داخل حصون عاصمتهم هوارة "المدينة" وفى أثناء الحصار حدثت معركة داخلية بين آخر حكام الهكسوس فرعون وبين قبيلة بنى إسرائيل بسبب الحلم الذى أشرنا إليه سابقا ، فأمر الحاكم فرعون بقتل أى طفل يولد لهم فى هذا الوقت وأخذ فى أضطهادهم ، ثم توالت الأحداث فى "المدينة"، قصص وحكايات بنى إسرائيل بجميع تفاصيلها وحواشيها ، وبكل مغامراتها من تعذيب وقتل وسحر ، وهى حكايات ليس لنا أى علاقة بها ، اللهم إلا حدوثها فوق جزء محتل من أرضنا محصور فى سيناء . عندما أشتد حصارنا حول تحالف الهكسوس داخل "المدينة" ، حاولت قبيلة بنى إسرائيل بقيادة موسى الإنشقاق عن التحالف والخروج من المدينة ، فتصدى لهم زعيم وحاكم التحالف الأكبر ، وكان رجلاً أعرابياً بدوياً طاغياً جلفاً اسمه فرعون ، ثم أنتهى الحصار بأنتصار موسى وخروج بنى إسرائيل ، وغرق زعيم وحاكم الهكسوس ، أستغل أحمس هذا الغرق وقضى تماماً على وجود الهكسوس ، وكان هذا عام 1573 ق ب . 

أصبح أسم فرعون لقباً لكل من تجبر وعلا أمره ، وأطلقه المؤرخون على كل الملوك العماليق الذين حكموا بلادنا ، ففى تفسير بن كثير يقول بكل وضوح ( وفرعون علم على كل من ملك مصر كافراً من العماليق) وأمتد وشمل حتى الذين سبقوا فرعون نفسه ، واصبح مقصوراً عليهم فقط ، وهو على كل حال أمر شائع فى كثير من أسماء الأعلام التى تحولت مع مرور الوقت إلى ألقاب ، مثل كسرى وقيصر والنجاشى ، كسرى كان حاكماً للفرس ولكنه تحول مع الوقت إلى لقب لكل من ملك الفرس ، ولقبوا بالأكاسرة ، ويوليوس ملك الرومان الذى ماتت أمه قبل ولادته بدقائق فأضطروا الأطباء لفتح بطنها لإخراجه ، وسميت هذه العملية بالقيصرية ، وكان فخوراً بأنه لم يولد من فرج إمرأة ، وأطلقوا عليه ( يوليوس قيصر ) وبالتابعية لقب جميع من ملكوا بعده بالقياصرة، وايضاً النجاشى ملك الحبشة ، ولقبوا بالنجاشيين ، لكن اليهود نجحوا فى جعل أسم فرعون لقباً لملوكنا نحن الجيبتيين وعمموه على تاريخنا وذلك فى عهد بطليموس الثانى (فلاديلفيوس) الذى أحضر إلى الإسكندرية إثنين وسبعين حبراً من أحبار اليهود ، وذلك بمعدَّل ستة أحبار من كل سبط من الإثنى عشر سبطا من أورشليم لترجمة التورتة من العبريه إلى اليونانية لأن اليهود كانو لا يتكلمون اللغة العبرية ولا يعرفونها وكانوا يتكلمون اليونانية ، وذلك نزولاً على رجاء رئيس ديوانه اليهودى (مردخاى) حتى يتثنى لليهود قراءة توراتهم ومعرفة ديانتهم ، وسميت (بالترجمة السبعينية) ، وقد رأى فلادلفيوس أنها فرصة لإثراء مكتبة الأسكندرية بمزيد من الكتب وجعلها أكبر مكتبة فى العالم لتكون الأسكندرية هى عاصمة العلم والثقافة فى العالم وقد حدث بالفعل ، وألصقوا اسم فرعون بنا ليصبح ملك إيجيبت فى الترجمة السبعينية ، وتقننت القصص الكاذبة وأصبحت مرجعنا الوحيد ، والرائع أنه لم تأتى آية واحدة فى القرآن تقول إن فرعون هذا كان ملكاً لبلاط الجيبتيين أو بلاد وادى النيل أو حتى ملكاً مصرياً وقد جاء على لسان فرعون كنوع من الأفتخار، فقد نادى فى قومه متباهياً وأنهى نداءه بقوله : [ ياقوم أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى ] 51 الزخرف ، لو كان هذا الملك حقاً مصرياً لكان الأمر بالنسبة له طبيعياً وما كان هناك داعى للتفاخر لأنه نشأ فى هذا المكان وهو من سلالة ملوك هذا المكان ولكن الأمر بالنسبة له إحداث وهو لا يصدق نفسه ولذلك يستشهد بمن حوله فى صيغة سؤال ، هل هناك أبين من هذا ؟ نعم هناك فى كتب التاريخ وايضا مراجع التاريخ الأسلامى تأتى بخبر فرعون كاملاً وعلى الترتيب .

(1) طمعت فى مصر العمالقة ( كتاب الفضائل الباهرة ) .

(2) وكان من العمالقة فراعنة مصر ( أبو الفدا ).

(3) ومن العماليق فراعنة مصر( أبن خلدون ) .

(4) ويختصر الطبرى الموضوع ( عن ابن أسحاق قال : قبض الله يوسف ، وهلك الملك الذى كان معه ، وتوارثت الفراعنة من العماليق ملك مصر ، فلم يزل بنو إسرائيل تحت أيدى الفراعنة العماليق ... حتى كان فرعون موسى ).

(5) وفرعون كان من بلدة "فاران" (كتاب فتوح مصر لأبن عبد الحكم). وبرية "فاران" هى البرية القاحلة التى نشأ فيها النبى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ، وكانت منبت العماليق أنساب إسماعيل ، وهم من العرب العاربة ، ومنهم أيضاً "عاد وثمود"، فالعرب البائدة أطلقت هذا الأسم على هذه المنطقة "فاران" نسبة إلى فاران بن عمرو بن عمليق ، وقد سميت الأرض بأسمه "أرض فاران" ولقبت القبيلة "بالعماليق" نسبة إلى جده ، وهذا ما ذكره الأمام الطبرى فى كتابه (تاريخ الطبرى)، أو أنه مأخوذ من أسم قبيلة "فرعا" الموجودة حتى الأن فى وادى عسيرغرب الجزيرة العربية، كما يؤكد "د/كمال الصليبى" ، أو ربما يكون الأسم مشتقاً من الفعل "فرعن" أو الجذر العربى "فارع" وكلاهما يعنى العلو والطغيان ، وهذا وارد ،والغريب أن القرآن الكريم يصف فرعون بنفس المشتقات العربية "العلو والطغيان" قال تعالى[وإن فرعون لعالٍ فى الأرض] 83 يونس ،وقال تعالى[فرعون إنه كان عالياً] 31 الدخان وقال تعالى[فقال أنا ربكم الأعلى] 24 النازعات .

 نخلص من هذا أن كلمة فرعون كلمة عربية ولفظ عربى صميم ، جاء مع الهكسوس (عبرانيين وأعراباً) بشهادة أهل اللغة ورجال الآثار والتاريخ الأسلامى ، وقبلهم جميعاً القرآن الكريم .

ويلاحظ أن جميع المؤرخين المسلمين يؤكدون أن ملوك العماليق (الهكسوس) هم فقط الذين يحملون لقب فرعون ، ولسبب غير معروف لا أحد يهتم بما قال المؤرخون القدامى عن فرعون خاصة ، ويتهمونهم بالتهويل والمبالغة ومنذ تأسيس حضارة وادى النيل ، يطلق على الحاكم أسم الملك ورغم ظهور كلمة فرعون وأستعمالها للدلالة على الحاكم بعد طرد الهكسوس ، والغريب أنه لايوجد ملك واحد لتلك البلاد نقش هذا الأسم فى الخرطوش الخاص به ، لا قبل الهكسوس ولا بعدهم ، فمن المتعارف عليه أن أسماء الملوك تكتب فى مستطيل يسمى بالخرطوش الملكى ، يحتوى على الأسم واللقب ، ولم يحدث أن كتبت كلمة فرعون داخل أى خرطوش ، ومن أراد أن يثبت العكس فليتقدم بصورة هذا النقش ، فنحن لم نكن نكتب إلا الألقاب الملكية التالية : "ن ب" وتعنى السيد ، "ن س و" وتعنى ملك الوجه القبلى ، "ب ت" وتعنى ملك الوجه البحرى ، وبعد توحيد القطرين تم دمج اللقبان وأصبحا لقباً واحداً "نسوبت" وتعنى ملك الوجهين "ح ق" وتعنى الحكمة والحق والعالم بالأسرار ، "سا- رع" وهو لقب من الأسرة الرابعة ويعنى أبن الشمس "حر- نوب" ويعنى صقر السماء و"ما- عت" وتعنى ميزان العدالة الذى ينصب بعد البعث ، فنحن شعب آمن بالتوحيد وبالبعث بعد الموت وبيوم الحساب وأتبعنا ملة "إدريس" عليه السلام وما أنزل إليه من السماء ومن "السيد المطلق" كما كانوا يطلقون على الله عز وجل ، لهذا لم نتعجب عندما نقرأ "للمسعودى" فى كتابه "مروج الذهب"  ( وسألت جماعة من أقباط مصر من أهل الخبرة ، عن تفسير كلمة فرعون فلم يخبرونى عن معناها ، وقالوا إنها لم ترد فى اللغة القبطية قط ) ، وفى كتاب "آلهة مصر العربية"  للدكتور"على فهمى خشيم" أن التوراة تدلل على أن هناك شخص آخر يدعى "فرعون الحثى" كان فى عهد إبراهيم عليه السلام ويقول النص التوراتى     ( إنَّ إبراهيم أشترى مغارة المُكيفَلة من فرعون الحِثِّى ) وهنا نجد إن التوراة تتكلم عن ملك أسمه "فرعون الحثى" من الحيثيين الَّذين كانوا يعيشون فى أرض "فلسطين" وليس من مصر ، وكان هذا مبرراً لأن يكون هذا الأسم "فرعون" غير متداول فى بلادنا لا قديماً ولا حديثاً ويكاد ينعدم أستخدامه بيننا ، فلا تجد شخصاً مِنَّا أسمه أو لقب عائلته فرعون ، لكننا نجده منتشراً وبكثرة حتى اليوم فى السعودية واليمن وألأردن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين كأسم علم لكثير من الأشخاص والعائلات الكبيرة والمشهورة ، ومن أشهرهم عائلة "د/ رشاد فرعون" الدبلوماسى السعودى ، وكذلك "ليف فرعون" البطل السعودى فى الزوارق المائية وإذا سألت عن فرعون الشعر فهو شاعر مُضَر "ناصر الفراعنة" الذى يقول فى قصيدة له : 

نحن الفراعنة الشِـداد تَخالُنا 

من بأسنا يوم اللقاء زبانية 

شُعثُ المفارقُ لم أكن لأسودهم 

لو لم يروا سمط الدخان غشانية

من خير عامرٍ كلها فى منسبِ 

ألأصل اصلى والكيانُ كيانيا

نعم إنهم الفراعنة من أسلاف آل فرعون"الهكسوس الرعاة" فبرغم مرور آلاف السنين مازالوا يتمسكون بأنهم الفراعنة ، والغريب فى الأمر أن المستمعين لا يعلقون على كلمة الفراعنة ، ولكنهم يكتمون ذلك حتى لاينكشفوا لشعوب العالم ، وينسبون فرعون وقومه إلى الجيبتيين القدماء بناة الأهرام ، والفراعنة فخذ من قبيلة سبع بالجزيرة العربية ، أما فى مجال الأعمال فهناك "غيث فرعون" صاحب مجموعة فرعون ، و"غسان نجيب فرعون" صاحب المستشفيات ، وفى لبنان عائلة "ميشيل فرعون" وزير الدولة لشؤن مجلس النواب اللبنانى . مؤتمر المرأة العربية الذى عقد فى البحرين عام 2006 كرَّمَ السيدة السورية "قمر فرعون" وهى من عائلة فرعون السورية ، وهناك "هشام فرعون" أستاذ القانون – "صادق فرعون" استاذ الطب بجامعة دمشق – و الشاعر "عيسى فرعون" ، وفى العراق سنجد مشايخ السياسة ، فهناك "سرتيب بن مزهر آل فرعون" و"مشير آل فرعون" و"مبجل آل فرعون" ، أما ألأدهى فهو أسم المدعى العام العراقى القاضى الذى حضر إعدام "صدام حسين" واسمه "منقذ آل فرعون" من عشيرة آل فرعون بالفرات الأوسط ، أما أسم اخيه "عاد آل فرعون" ، ويالها من مفارقة تثير العجب ، ان الرسول عليه الصلاة والسلام يختار نفس الأسم ليطلقه على "أبى جهل" رأس كفار العرب فأطلق عليه "فرعون قومه" ، وحديثاً نجد أن أسم فرعون مخلداً فى العديد من الأماكن فى الدول العربية ، ففى فلسطين قرية فرعون ومدرسة بنات فرعون وجبل فرعون بمحافظة طول كرم ،وعلى جبل لبنان بلدة فرعون وفى قلب بيروت شارع فرعون وبنك فرعون لمؤسسة ناجى فرعون وأشهر قصورها "قصر فرعون" ووجدنا بالأردن فى مدينة العقبة "جزيرة فرعون" .          

  سؤال يطرح نفسه وأظن أن من حقنا أن نعرف الأجابة :

 لماذا أنتشر هذا الأسم بين العرب ولماذا تتبعوه جيلاً بعد جيل وكأنه موروث ثقافى أصيل ؟ ولماذا كاد ينعدم فى بلادنا إذا كان كما يدعون أنه كان مصرياً "قبطياً" فلا نجده عندنا إلا فى الأماكن التى عاش فيها فعلاً فى سيناء حيث نجد جزيرة فرعون وعيون فرعون بجانب عيون موسى ؟                                                      واخيراً بهذا الأثبات نكون قد حسمنا هذا الخلاف الذى خالف فيه معظم كتبة قصص الأنبياء القرآن الكريم وأنحازوا لأساطير بنى إسرائيل ، إذ أدعوا وجود فرعونين أحدهما يسمى فرعون الأضطهاد والأخر يسمى فرعون الخروج ، فى موقف مخالف للقرآن الكريم ، الذى تكلم فى وضوح كامل عن شخص واحد يدعى فرعون ، قام بالأضطهاد ثم الخروج وأنتهت حياته بالغرق، يقول القرآن الكريم :  [ نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق ] 3 القصص ، مايؤكد أن المعركة بين رجلين أحدهما موسى والأخر فرعون ، لكن الغريب أننا بسبب ما أقرّْوه فى وجداننا لم نكتفى بتحويل فرعون إلى فرعونين ، بل حولنا المفرد التى أتى به القرآن إلى جمع أسقطناه على كل ملوكنا ، وأستقر فى وعينا وجلدنا به أنفسنا طوال تاريخ حضارتنا الذى كتبناها بأيدينا .

 كانوا أجدادنا يكتبون أسمائهم وألقابهم على ألواح تسمى              " الخرطوش"وكان يسمى بلغتنا القديمة "شن" وكان أسم الشخص المهم الذى يكتب فى هذا ال "شن" يسمى "رن" ومازلنا إلى يومنا هذا نقول على الشخص المُهم أن له "شَنَّه ورَنَّه" أفيقوا أيها الأقباط = الجيبتيين = المصريين فإن القبطية ليست ديانة ، إنما هى قومية وجنسية فنحن أقباط من قبل نزول التوراة والأنجيل والقرآن، وفرعون لم يكن بأى شكلٍ من الأشكال قبطياً ولا ملكاً من ملوك وحكام بلادنا ، بلاد وادى النيل ، بل كان بدوياً أعرابياً ، وكان آخر ملوك الهكسوس المحتلين .

بهذا نكون قد وصلنا إلى هدفنا ، وهو تصحيح المفاهيم الخاطئة  وإعادة بناء مفاهيمنا حتى تستقيم أمورنا ونقف على أصولنا . 

وفقنا ووفقكم الله للفهم الصحيح للقرآن الكريم فهماً صحيحاً دون اللجوء للإسرائيليات والروايات المُلَفَّقَة ، وكما قال ألأمام الشافعى :  ( رأيىِّ صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب )

وفى هذا اقول هذه الأبيات 

كيف تنسبون أنْفُسَكُمْ لرجلٍ

فى الأرضِ والسَّماءِ مَلعون

وتَتَشَدَّقونَ بإسمه

وكأنَّكُم بهِ تَتَفاخرون

وتَظنونَ أنَّكُم أحفادُ فِرْعَونَ

وأنْتُمْ من نَسْلهِ مُبْرَؤن

فأنتُم أيُّها المِصْرِيُّون

أحفادُ إدريسَ المُعَظَّمْ

وأتْباعُ عيسى بنُ مَريَم

ومحمدُ الصَّادِقُ الأمين

خيرُ الأنامِ وخاتم النَّبيين

 بقلم / ممدوح العيسوى