«انحدار الذوق… السقوط الصامت للمجتمع»/الهرم المصرى نيوز

 

بقلم / د. سمر صلاح

استيقظ قبل أن يفوت الأوان: كيف تُنقذ نفسك من حياة لا تُشبهك

  صرخة من الداخل

هل شعرت يومًا بأنك تعيش حياة لا تُشبهك؟

أنك تستيقظ كل صباح لتُكرّر نفس الروتين، نفس الملامح، نفس الحوارات الميتة، دون أن تشعر أن ما تفعله يخصك؟

تضحك، تعمل، تُجامل، وتبدو “طبيعيًّا”، بينما في داخلك سؤال صامت يصرخ:

"هل هذه هي الحياة التي أردتها حقًا؟"

نحن لا نستيقظ فجأة لنكتشف أننا تائهون. بل نضيع تدريجيًا — خطوة بخطوة، تنازلًا بعد تنازل، مجاملةً بعد أخرى — حتى نصبح غرباء عن أنفسنا.

وهنا تكمن المأساة الحقيقية: أن تستمر في العيش وفق سيناريو لم تكتبه أنت.

لكن، الخبر الجيد هو أن الاستيقاظ ممكن.

مهما كان الوقت متأخرًا، ومهما كانت القيود ثقيلة، هناك دائمًا فرصة لتغيير المسار…

والسؤال الآن: هل تجرؤ على ذلك؟

 

  حين تتحوّل الحياة إلى قفص من ذهب

الكثيرون يعيشون داخل “الراحة الخادعة” — وظيفة آمنة لا تُشبع، علاقات متآكلة، روتين يشبه الأمان لكنه في الحقيقة يسرق الحلم ببطء.

نظن أننا بخير لأننا “لسنا فاشلين”، لكننا في العمق غير أحياء.

ننجز ما يُطلب منا، لا ما نريده.

نرضى بالقليل لأننا خفنا من فقدانه، حتى لو كان هذا القليل هو ما يُطفئنا كل يوم.

كم مرة قلت لنفسك: "سأبدأ قريبًا"؟

قريبًا أستقيل. قريبًا أكتب. قريبًا أهاجر. قريبًا أتغيّر…

لكن "قريبًا" تتحوّل إلى "دائمًا"، وها أنت ما زلت في المكان نفسه، تُقنع نفسك بأن الوقت لم يحن بعد.

لكن الحقيقة الصادمة هي: الوقت لن يكون مناسبًا أبدًا.

لن تستيقظ يومًا لتجد الطريق مفروشًا بالثقة. التغيير يبدأ بالارتباك، بالخوف، بالخطوة التي لا تضمن نتيجتها.

 

  علامات أنك تعيش حياة لا تُشبهك

قبل أن تُغيّر، عليك أن تُدرك. فالبصيرة تسبق الخطوة.

إليك بعض الإشارات التي تخبرك بأنك عالق في حياة لا تليق بك:

1. تشعر بالتعب رغم أنك لم تفعل شيئًا.

التعب النفسي هو إنذار الروح حين تُجبرها على ما لا تريد.

2. كل إنجاز يبدو فارغًا.

تحصل على الترقية، السيارة، الاعتراف… ثم تسأل: "وماذا بعد؟"

3. تخاف من الهدوء.

لأن الصمت يُذكّرك بأنك لست بخير.

4. تعيش من أجل الآخرين أكثر مما تعيش لنفسك.

تُرضي الجميع، وتخسر ذاتك على الطريق.

5. تشعر أنك تمثّل دورًا لا يشبهك.

وكأنك تتقمّص شخصية أخرى كي تُقبل أو تُفهم.

6. تغار من أولئك الذين يعيشون بشغف.

لأنك تراهم أحرارًا، بينما أنت أسير الخوف والتكرار.

إن وجدت نفسك في هذه العلامات، فاعلم أن الجرس قد دقّ فعلاً.

وأن الوقت حان لتواجه الحقيقة:

أنت لا تحتاج إلى حياة جديدة، بل إلى وعيٍ جديد بالحياة.

 

  كيف ضاعت نفسك دون أن تشعر؟

لا أحد يضيع فجأة. نحن نضيع حين نُؤجل أحلامنا، وحين نُسكت الصوت الداخلي الذي يطلب أكثر.

يبدأ الأمر بتنازل صغير…

نختار الطريق الأسهل بدل الأصوب، نُساير الناس، نؤجّل القرارات…

ثم مع الوقت نصبح نسخة رمادية من أنفسنا الأصلية.

نحن نتعلّم منذ الصغر أن نرضي الآخرين، لا أن نفهم أنفسنا.

أن ننجح كما يريد المجتمع، لا كما نريد نحن.

فنكبر ونحن نحمل شهادة لا نحبها، ونعمل في وظيفة لا تُشبهنا، ونعيش في مكان لا يُلهمنا.

ولأننا نخاف من الرفض، نظل نحمل الأقنعة.

لكن الأقنعة، مهما بدت مريحة، تُخنقنا ببطء.

 

  الاستيقاظ… ليس لحظة بل مسار

الاستيقاظ الحقيقي ليس أن تقول: "سأغيّر حياتي".

بل أن تبدأ بمصارحة نفسك، مهما كانت الحقيقة مؤلمة.

  الخطوة الأولى: الاعتراف

قلها لنفسك بصوت واضح:

"أنا لست بخير، وهذه ليست الحياة التي أريدها."

هذا الاعتراف ليس ضعفًا، بل بداية التحرّر.

 الخطوة الثانية: الصمت المؤقت

ابتعد عن الضجيج. عن التوقعات. عن المقارنات.

خذ لنفسك وقتًا لتستمع لصوتك الداخلي.

قد تكتشف أنك لم تعرف نفسك أصلًا.

 الخطوة الثالثة: إعادة تعريف النجاح

هل النجاح أن تملك المال؟ أم أن تملك وقتك؟

هل السعادة في الوصول؟ أم في المعنى؟

حين تُعيد تعريف النجاح وفق قيمك لا قيم الآخرين، ستتغير اتجاهاتك كلها.

  الخطوة الرابعة: تحمّل مسؤوليتك

أنت من وضع نفسك هنا، وأنت من سيُخرجها.

اللوم مريح لكنه لا يُنتج تغييرًا.

كل ما تعيشه اليوم هو نتيجة اختياراتك السابقة… وهذه بشرى رائعة، لأنك تستطيع الاختيار مجددًا.

  الخطوة الخامسة: الفعل الصغير

لا تنتظر "اللحظة المثالية".

ابدأ بخطوة بسيطة: صفحة في كتاب، ساعة للتأمل، مشروع صغير، عادة جديدة.

كل تحول كبير بدأ بنية صادقة وخطوة واحدة.

 

  مقاومة التغيير… لماذا نخاف من النهوض؟

الناس لا يخافون من الفشل بقدر ما يخافون من النجاح الذي سيُغيّرهم.

التغيير يعني أن تخرج من منطقة الراحة، وأن تواجه المجهول، وأن تُعيد تعريف نفسك.

وكل ذلك مرعب.

لكن الخوف، في جوهره، ليس عدوك.

الخوف دليل أنك على أعتاب شيء يستحق.

تذكّر: الشجاعة ليست غياب الخوف، بل الإصرار على المضي رغم وجوده.

حين تشعر بالخوف من التغيير، لا تهرب منه…

اسأله: “عمّاذا تُحاول أن تحميني؟”

فغالبًا، الخوف لا يريد إيذاءك، بل حمايتك من تجربة سابقة لم تشفَ منها بعد.

 

  إعادة بناء الذات من جديد

حين تبدأ رحلة الإنقاذ الذاتي، ستشعر بالوحدة أولاً.

لأنك لم تعد تُشبه من حولك.

لكن لا تخف… فالعزلة المؤقتة هي مختبر الوعي.

  واجه ظلك

كل إنسان يحمل بداخله “ظلًا” — الجانب الذي يخفيه من نفسه.

الغضب، الغيرة، الضعف، الخوف…

حين تتصالح مع هذه الأجزاء، لن تعود خائفًا من نفسك.

 تخلّص من الأصوات الزائفة

هناك أصوات في رأسك لا تخصك:

صوت المجتمع، الأهل، التوقعات، المقارنات.

ميّز بين صوتك وصوتهم.

اسأل دائمًا: "هل هذا ما أريده أنا، أم ما يريدونه لي؟"

 ابحث عن شغفك الأصلي

ليس بالضرورة أن تعرفه فورًا.

ابحث فيما يُنيرك، فيما يجعلك تنسى الوقت.

الشغف ليس ترفًا، بل دليل الطريق نحو ذاتك الحقيقية.

 تعلم فنّ الرفض

قل “لا” لكل ما لا يُشبهك.

لا لكل علاقة تستنزفك، لا لكل عمل يُطفئك، لا لكل عادة تُقلّصك.

الرفض أحيانًا هو أعلى درجات الحب للنفس.

 

  عندما تعود إلى نفسك

حين تبدأ في التغيير، لن يتغير العالم من حولك… لكن نظرتك إليه ستتغير.

ستكتشف أن الهدوء أجمل من الضجيج،