ظاهرة التريند… كيف تحوّلت مع بداية انتشار وسائل التواصل الاجتماعي الخصوصية إلى مادة لتحقيق أعلى نسب المشاهدات؟/الهرم المصرى نيوز

 

بقلم: حنان غنيم

في يومٍ من الأيام، جاءتني أمٌّ يغلب على ملامحها الحزن، والدموع تملأ عينيها، وفي يدها طفل ينظر حوله وكأنه يرى ما لا نراه، ويضع يديه على أذنيه كأنه يسمع ما لا نسمع، ويبتسم بابتسامةٍ تمتلئ بالدهشة والإعجاب. نظرت إليه باهتمام وتذكرت كل لزمات التوحد، لكن في لحظة خاطفة توقفت مع نفسي: هل أنا فقط أقوم بعملي، أم أن هناك شيئًا أعمق يناديني؟ تحديت نفسي واقتحمت عالمه، وفُتحت أمامي آفاق جديدة أصبحنا من خلالها نفهم بعضنا البعض.

كانت الأم تأتي في كل مرة بوجهٍ شاحبٍ تملؤه اليأس، تجلس في صمتٍ تنتظر. لكن حين تراه معي، كنت أشعر بها تتحدث في داخلها، وكأنني أسمعها دون كلمات. نظراتها كانت تهمس لي بصوتٍ مبللٍ بالدموع:

> "قولي اسمه مرة أخرى... ناديه كما تنادينه دائمًا، أشعر أنكِ تفهمينه، أنكِ تشعرين به أكثر مني..."

تبتسم ابتسامةً مختلطة بالدموع، وكأن بيننا لغة خفية لا تُقال. في تلك اللحظات، لم أشعر أن ما أفعله عمل، بل رسالة. رسالة تقول: "هيا، لننطق من جديد... لنفتح نافذة على عالمٍ آخر." كنت أستمع إلى نبض قلبها قبل كلماتها، وإلى نبض طفلها في صمته. حينها، أدركت أن ما بيننا ليس مجرد تفاعلٍ علاجي، بل تواصلٌ من نوعٍ آخر — تواصل وعيٍ وروح.

---

ما هو التوحد وأسبابه

التوحد هو اضطراب في نمو الدماغ يؤثر على التواصل والسلوكيات، ويظهر بأشكال مختلفة وشدة متفاوتة. تشمل خصائصه صعوبات في التفاعل الاجتماعي، أنماط سلوكية متكررة، وحساسية مفرطة للمحفزات الحسية.

أسبابه:

وراثية: تغييرات جينية تؤثر في نمو الدماغ، مثل متلازمة ريت أو متلازمة X الهشة.

بيئية: تعرض الأم للفيروسات أو بعض الأدوية أثناء الحمل، مضاعفات الحمل، أو ملوثات البيئة.

وراثية وبيئية معًا: التفاعل بين الجينات والبيئة قد يزيد من احتمالية الإصابة.

(المصدر: Mayo Clinic، Autism Speaks)

الأنواع الرئيسية للتوحد

1. التوحد الكلاسيكي: صعوبات واضحة في التواصل والسلوكيات المتكررة.

2. متلازمة أسبرجر: صعوبات اجتماعية مع مستوى ذكاء طبيعي أو أعلى.

3. اضطراب الطفولة التحللي: فقدان مهارات تواصل بعد فترة من التطور الطبيعي.

4. الاضطراب النمائي الشامل غير المحدد: تظهر بعض الأعراض دون استيفاء معايير النوع المحدد.

---

بين العلم والفلسفة

حين نتأمل الطفل التوحدي، ندرك أن ما يبدو لنا سلوكيات نمطية متكررة قد يكون نافذة على إدراك مختلف للعالم.

إدموند هوسرل: تحدث عن الوعي الظواهري وتجربة الظواهر كما تظهر لنا.

موريس ميرلوبونتي: ربط بين الجسد والتجربة الحسية كأساس للوعي.

في هذه اللحظات، تبدأ الأسئلة التي تشغل بال كل والد: هل يعيش طفلي في عالم مختلف عن عالمنا؟ لماذا يتصرف بهذه الطريقة دون أن نفهم السبب؟ هل هناك طرق لفهم هذا الإدراك الغريب والتواصل معه بعمق؟ هل يمكن أن يملك قدرات على قراءة المشاعر أو التخاطر؟

هذه التساؤلات ليست مجرد أسئلة علمية، بل بداية رحلة طويلة لفهم طفل التوحدي بطريقة مختلفة، رحلة تتطلب صبرًا وتأملًا ووعيًا يتجاوز العلاج التقليدي.

---

علم النفس والأعصاب

تشير الدراسات إلى اختلافات في بنية الدماغ ووظائفه العصبية عند الأطفال التوحديين، تؤثر على المعالجة الحسية والاجتماعية. بعضهم يظهر قدرات فائقة على الانتباه للتفاصيل أو تمييز الأنماط، ما يفتح الباب للتأمل في عوالم خفية من الإدراك. وبين هذه التفاصيل، يظل السؤال الأهم في ذهن كل أب وأم: كيف يمكننا أن نرى العالم بعين طفلنا، لنفهمه، لنشعر به، وربما لننطق معه لغة لم نعرفها من قبل؟

---

التخاطر (البارا سيكولوجية) والتوحد

البارا سايكولوجي (Parapsychology) هو فرع من العلوم يدرس الظواهر النفسية غير التقليدية أو الخارجة عن نطاق الحواس الخمس، مثل التخاطر، الاستبصار، والتحريك العقلي للأشياء. هذا المجال يستخدم أحيانًا لمحاولة تفسير الظواهر التي لا تستطيع النفس أو الدماغ تفسيرها بشكل تقليدي، مثل قدرة أطفال التوحد على التقاط نوايا أو أفكار الآخرين بدقة.

إدراك خاص لدى أطفال التوحد

أثناء جلوسي مع طفل توحدي، لاحظت شيئًا مذهلًا. كنت أركز على فكرة معينة في دماغي وأضعها بطريقة حساسة أمام الطفل، فيصبح قادرًا على التقاط ما أريد توصيله بطريقة طبيعية جدًا، دون شعور بالإجبار أو الضغط. هذا لا يعني السيطرة، بل فهم عميق لكيفية إدراك الطفل ووعيه الداخلي، ثم منح الطفل مساحة للتعبير عن نفسه بحرية. النتيجة: الطفل يتصرف ويستجيب بطريقة طبيعية، مثل أي طفل آخر، لكنه في الوقت نفسه يكون متصلاً بالمعنى الذي أردت نقله له.

الأمر الأكثر دهشة: الطفل يستطيع التعرف على معلومات خاصة بالآخرين لم يكن قد رآها أو سمع عنها، مثل أسماء أفراد الأسرة أو رسائل مخفية عن الآخرين. هذا يوضح أن الأطفال التوحديين لديهم وعي حسي وذهني فريد، قادر على قراءة النوايا والمشاعر والأفكار، وهو ما يفتح الباب للتأمل في إدراك أعمق وطرق تواصل غير مرئية تقليديًا.

---

بقلم: حنان غنيم