وزير الزراعة ومنصة "حوار" يكرمان أصحاب المبادرات الأعلى تقييمًا في القطاع الزراعي - الهرم المصرى نيوز

بقلم: محمد زهران

في واقعة صادمة وغير مسبوقة، لم ينجح من مدرسة حميدة أبو الحسن الإعدادية للبنات، التابعة لإدارة الواسطى التعليمية بمحافظة بني سويف، سوى طالبة واحدة فقط في امتحانات الشهادة الإعدادية لهذا العام، هي: "م.س.ف"، بعدما رسبت جميع زميلاتها.

ورغم أن مجموعها لم يتجاوز 157.5 درجة من أصل 280، إلا أنها أصبحت الأولى على مدرستها — لا لأنها تفوقت، بل لأنها الوحيدة التي نجت من السقوط الجماعي!

---

تحرك رسمي عاجل من محافظ بني سويف

وعلى إثر هذه الواقعة التي أثارت جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، كلف الدكتور محمد هاني غنيم، محافظ بني سويف، وكيل وزارة التربية والتعليم بإعفاء إدارة مدرسة "حميدة أبو الحسن" بالكامل من مهامها، واصفًا ما حدث بأنه "انعكاس واضح لسوء الأداء الإداري والتعليمي داخل المدرسة".

كما أحال كلًا من مدير إدارة الواسطى التعليمية ووكيل الإدارة إلى التحقيق العاجل، للوقوف على أسباب هذا التراجع الكبير في النتائج، ووجه بإعداد دراسة شاملة حول أسباب تدني نسب النجاح في المدرسة، تتضمن حلولًا واقعية لتحسين الأداء.

وحرص المحافظ أيضًا على توجيه وكيلة الوزارة بعقد لقاء مجتمعي عاجل، يضم أولياء الأمور والطلاب وممثلي المجتمع المحلي، للوقوف على حقيقة الأوضاع، ورفع تقرير شامل بنتائج هذا الاجتماع إلى مكتبه خلال أيام.

من جانبها، أكدت الأستاذة أمل الهواري، وكيل وزارة التعليم بالمحافظة، أنه تم تنفيذ توجيهات المحافظ فورًا، وتم تشكيل لجنة فنية لمراجعة أوراق إجابات الطلاب بالمدرسة، وعددهم 60 طالبة، منهن 14 تغيّبن عن الامتحانات. وأشارت إلى أن النتائج جاءت "واقعية" وتعكس فعليًا مستوى التحصيل داخل المدرسة، مؤكدة عدم السماح بأي تجاوزات في أعمال التصحيح أو نتائج الامتحانات.

---

نجاح فردي.. يفضح فشلًا جماعيًا

ليست قصة "م.س.ف" قصة نجاح دراسي بالمعنى التقليدي، بل هي مرآة تعكس مأساة تعليمية. مدارس بأكملها تمر بعام دراسي دون تعليم حقيقي، بلا مهارات، ولا قراءة أو كتابة، ثم تكون النهاية كارثية كما نراها اليوم.

هنا، اللوم لا يقع على الطالبات أو إدارة المدرسة فقط، بل على منظومة ممتدة من جذورها، تبدأ من مرحلة التعليم الأساسي، ومناهج مرهقة لا تناسب العقول، وبيئة تعليمية تفتقر إلى الانضباط والرؤية.

---

جهود الدولة مشكورة.. لكن التحديات أكبر

لا يمكن إنكار أن الدولة تبذل جهودًا حثيثة في ملف التعليم، من تعيين معلمين جدد، إلى تطوير البنية التحتية، ومحاولة سد العجز من خلال المعلمين بالحصة والمتطوعين.

لكن الواقع يقول: التعليم يحتاج إلى دعم أكبر، وتمويل أوسع، ورؤية شاملة تتجاوز الحلول المؤقتة.

---

المعلم.. جوهر العملية التعليمية

لا تعليم بلا معلم مؤهل، محفز، ومُقدَّر.

النهضة التعليمية تبدأ من رد الاعتبار للمعلم، ماديًا ومعنويًا، فلا يمكن أن نحاسب معلمًا لا نمنحه الأدوات ولا الكرامة ولا الحافز.

المعلم هو من يزرع الأمل في نفوس الطلاب، وينقل القيم والمعرفة، ويصنع أجيالًا. فلا بد من أن يعود إلى مكانته كقائد تربوي لا كأداة تنفيذ.

---

نظام تربوي ومناهج واقعية

ليس المعلم وحده المسؤول، فالمناهج أيضًا بحاجة إلى تطوير شامل، يجعلها مناسبة للفئة العمرية، ومرتبطة بالحياة، وتراعي الفروق الفردية.

كما نحتاج إلى نظام تربوي منضبط، لا فوضوي. نظام قائم على الثواب والعقاب التربوي، بما يعزز الانضباط والسلوك القويم.

وليس العقاب بالضرورة عنفًا، بل هو وسيلة تربوية حين يُستخدم بحكمة. ففي الإسلام قال النبي ﷺ:

"مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر."

فإذا أُقر العقاب في مواضع محددة لتقويم السلوك، فكيف نلغي أي صورة من صور التأديب التربوي؟

---

الأسرة والمدرسة.. شراكة لا بد منها

لا يجوز تحميل المدرسة وحدها مسؤولية ما حدث. فالتربية تبدأ من البيت، والأسرة شريك أصيل في متابعة الأبناء، وتعزيز احترام المعلم والانضباط الدراسي.

لا تعليم بلا بيت واعٍ، ولا نظام بلا تعاون مجتمعي.

---

الخلاصة: التعليم مسؤولية وطن

ما حدث في مدرسة حميدة أبو الحسن ليس مجرد حالة شاذة، بل جرس إنذار خطير يدق ناقوس الخطر.

نحن بحاجة إلى ثورة تعليمية شاملة، تبدأ من:

تأهيل المعلم وتقديره،

تطوير المناهج،

بناء بيئة تعليمية منضبطة،

إشراك الأسرة،

إذا أردنا أمة قوية، فلتبدأ النهضة من الفصل الدراسي.

وإذا أردنا مستقبلًا مشرقًا، فليكن المعلم أول من نُعلي من شأنه.

اللهم قد بلّغت.. اللهم فاشهد.