المشهد السوري/الهرم المصرى نيوز

 

بقلم محمد سليمان 

گانت السرقه ولا تزال أحد الأفعال المجرمه في القوانين الوضعيه وفي جميع الشرائع السماوية فجاء في الوصايا العشر لا تسرق ".

ويقول الله عز وجل في محكم تنزيله "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسب نكالاً من الله والله عزيز حكيم" .

وفي خطبة الوداع نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن السرقة حينما قال إن دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت اللهم فاشهد.

بل إن من أهم المقاصد الكليه أو ما يطلق عليها الكليات الخمس للإسلام حفظ المال لذلك حرمت السرقه والغصب.

لكن تاريخ البشرية ملئ بأشياء لا يتصورها عقل من يصدق أن تكون السرقه مقننه ومهنه تمتهن في زمن مضى ومن يصدق أن هناك لصوص شرفاء ومن يصدق أن العرف كان يعتبر السرقة والغصب شيئا مباحاً كل هذا سنتحدث عنه في تلك المقالة.

كانت الأعراف والعادات والتقاليد في المجتمعات القديمة أهم مصدر من مصادر القانون إن لم تكن القانون ذاته .

ولا يزال للعرف أهمية كبرى  فى ظل الأنظمة القانونية الحديثه.

فمثلاً العرف هو المصدر الثالث من مصادر القانون المصري الحديث يأتي بعد أحكام الشريعة الإسلامية والتشريع القانوني.

وقد ذهب البعض كما يقول الدكتور أحمد الحوفى إلى أن العرف هو المقياس الأخلاقي فما وافق العرف كان خيراً وما خالفه كان شراً وما سكت العرف عنه كان الناس فيه مخيرين بين أن يفعلوه أو يتركوه!!!

وأری کما یری الدکتور الحوفي فی کتابه القیم تأملات إسلامیه أن هذا المقیاس مضطرب ومختل.

فلابد من أساس یحکم الأعراف والتقالید فسنری أن العرف فی بعض البلدان فی فترات معینه کان یری السرقة والغصب شیئاً مباحاً.

فالکاتب الأيرلندی الشهیر برنارد شو یذکر أن فروسات الذی سجل أحداث وأحوال أوربا فی القرن الرابع عشر یری أن حیاة السلب والنهب حیاه طیبه بل هی النموذج الأمثل للحیاه الطیبه.

ویذکر العلامه علی الوردی فی کتابه القیم( الأخلاق.....الضائع من الموارد الخلقیه) أن من الصفات الشخصیه للبدو أن فکرهم قائم علی الإستحواذ ویذکر قولهم الحلال ما حل بالید ویذکر وصف البدوی بأنه نهاب وهاب وهو وصف كما نري يحمل في طياته ملامح الذم والمدح.

ویحکی الدکتور علی الوردی عن زیارة الدکتور فاضل الجمالی لقبیلة عنزه فی صحراء الشام ودهشته حین رآهم یؤمنون بالله ویصلون له ویصومون بینما هم لا یتوانون عن النهب والغزو عندما تحین الفرصة المناسبه  فسألهم الدکتور فاضل عن هذا التناقض فیهم فکان الجواب أنهم لم یکلفوا انفسهم مشقة التفکیر فی هذا السؤال.

ويري الوردي أن إستغراب الدكتور الجمالي لا محل له إذ يكفي أن نعرف أن فكرة النهب والاستحواذ هي من الصفات الأصيلة في شخصية البدوي .

ویذکر الدکتور الحوفی ان السرقة کانت مباحه فی إسبرطه لتدریب الشباب علی الحیلة والخداع فی الحرب علی شریطة أن لا یراهم  أحد ویعلم بأمرهم فکانوا یدخلون الحدائق علی حین غفلةٍ من أهلها ویدلفون إلی الموائد العامه فی غیبة حراسها فإن غفلت عنهم العیون ونجوا من بغتات الرقباء أكلوا وشربوا وکانت عاقبة أمرهم خیرا وإن تنبه للسارق أحد وقبضت علیه الأيدي فیالفضیحه والعار ویالسبة الباقیه والعقوبة المنتظره فإنه یشهر أمره ویسلم إلی مروض الأطفال فیضربه بالسوط ویحرمه الطعام لا لأنه سرق بل لأنه لم یاخذ حذره!!

ومن الغریب أن یصدر فی مصر القدیمه أيام الفرعون أمازيس قانون یقنن السرقه ویعتبرها أمراً مباحاً ویضع للعاملین بها تنظیماً أشبه ما یکون الآن بالتنظیمات النقابیة الحدیثه فینص تشریع أمازيس بأن یکون للصوص شیخاً لهم یرأسهم وعلی من یرید الإنضمام إلی تلک الفئه أن یذهب إلی شیخ المنسر لیدرج إسمه فی دفاتر مخصصه لذلک وفی حالة قیام اللص بالسرقه علیه أن یذهب بالمسروقات إلى شیخ اللصوص ویذهب من سُرقت منه تلک الآشیاء إلى شيخ اللصوص لیأخذها بعد أن یتازل عن جزء منها یقدر بالربع.

ومن الغریب ان الواقع العملی فی مصر الآن عند فئة من اللصوص مازال یاخذ بتلک الصوره التی لا یعلم الکثیرون أنها فی یوم من الآیام کانت قانونا مطبقا.

فلصوص السیارات یترکون رقماً لهاتف جوال لهم وعندما یتصل صاحب السیاره المسروقه یبدأ التفاوض علی تسلیم السیاره مقابل مبلغ معین من المال.

وفی القری والنجوع والکفور الریفیه عندما يُسرق من أحد الفلاحین المواشی الخاصه به  یذهب إلی أحد معتادي  الإجرام لیصل بمعارفه واتصالاته لسارق المواشی ویبدأ التفاوض علی تسلیم المواشی مقابل مبلغ من المال ويسمي هذا المبلغ المالي في عرف اللصوص "الحلوان".

ويذكر الكاتب  يوسف الشريف في كتابة الممتع مما جرى في بر مصر بعض من القرى التى إشتهرت فيها تلك العاده كقرية طهواج بالغربية وقرية البروم مسقط رأس الدكتور يوسف إدريس بمحافظة الشرقيه .

ويذكر أن لفئة الحرامية مقاهي خاصه بهم واحد في ميدان باب الحديد والآخر خلف سوق الخضار بميدان العتبة وكان لكل قهوة منهما شيخ يحدد نشاط كل نشال ومكان عمله وكان من يقع في شراك هؤلاء النشالين إما أن يتوجه للبوليس أو مقهى النشالين لشيخ النشالين ويقوم شيخ النشالين بإحضار المسروقات لقاء مقابل معلوم.

لکن یعد أغرب ما ذکر عن اللصوص واللصوصیه بأنها کانت تمثل فی فتره من فترات الظلم العربی الممتد عبر التاریخ إلا فی إستثناءات منه نوعاً من التمرد علی الحاکم الظالم.

ویری الدکتور محمد رجب النجار فی کتابه القیم (حکایات الشطار والعیارین فی التراث العربی ) أننا فی تلک الحاله لسنا أمام نوع من اللصوص التقلیدین الذین ینبغی أن نطبق علیهم الحدود الشرعیة والوضعیه ولکننا أمام نوع من اللصوص الثوار إذا جاز هذا التعبیر.

ویذکر وصف المستشرق ماسینون لهذا النوع من اللصوصیه بأنه بطوله خارج القانون.

ویذکر الدکتور النجار أن موقف العامه من بعض اللصوص کان یحمل فی طیاته تعاطفاً وحباً شدیداً ویعد أصحابها فی نظر العامه أبطال وإن کانوا مرفوضین من الناحیة القانونیة والسلطویه.

ولعلی أشهر اللصوص فی الأدب العربي العیار أحمد الدنف والشاطر علی الزیبق واللص إبن حمدي ويعتبرهم بعض الكتّاب ومنهم الدكتور النجار شخصيات حقيقيه

وعلی الزیبق إبن الریس حسن الغول تلک الشخصیه التی تمثل نوعا مختلفاً من اللصوص الذی یقوم بسرقة تلک الفئه الظالمه فی ذلک الوقت المتمثله فی الحاکم الظالم وحاشیته وطبقه التجار لیقوم بتوزیع تلک السرقات علی الفقراء والمعدمین.

وقد اجاد الفنان فاروق الفیشاوی فی المسلسل المصری علی الزیبق فی دور اللص الشریف الذی یسرق لإعاده توزیع الثروه فی مجتمع یئن تحت وطأه الظلم والفقر وأجاد الفنان أبو بکر عزت فی دور المقدم صنقر الکلبی  مقدم الدرك الذي یمثل صورة الظالم المستبد.

وسیرة الشاطر علی الزیبق هی إمتداد فی رأی لفکرة المخلص المتجذره فی الوعي المصری عبر قرون کثیره.

فقد یکون علی الزیبق حقیقة تاریخیه کما یقول بعض الکتاب وإن کان الدکتور عبدالحمید یونس فی کتابه القیم(معجم الفولکلور)یقول عن سیرة  علی الزیبق المصری بأنه من الصعب التأریخ لهذه الحکایه.

وسواء كانت قصة الزيبق حقيقية أم محض خيال فإننا بالاساس مولعون بصورة المخلص الذی ینتظره الناس بفارغ الصبر لیرفع عن کاهلهم الظلم ویعید توزیع الثروات علی المعدمین والفقراء وقد نبه کلا من الدکتور یوسف زیدان فی کتابه (شجون مصریه) والدکتور کمال الدین حسین فی کتابه(دراسات فی تجلیات التراث الشعبی المصری)عن فکره المخلص المتجذره فی العقل المصري.