أسوء عصر في مر الزمان/الهرم المصرى نيوز

 

 

 بقلم  الدكتور / نصر عبدالستار عثمان اسماعيل 

باحث في الشريعة الإسلامية 

جامعة العريش 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

وبعد  

فقد أحاطت الشريعة الإسلامية الغراء حقوق العباد عند بعضهم البعض بضوابط لحفظها ووضعت وسائل متعددة تجعل من عليه الحق حريصاً أشد الحرص على الوفاء بما عليه وأداء الحق في وقته وزمانه, ومن هذه الوسائل.

أولًا: الوازع الأخلاقي في الكتاب والسنة: وهو متمثل في الحث والترغيب على حفظ الحقوق في كثير من الآيات والأحاديث, وتأخذ على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:

القرآن الكريم: قوله -تعالى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾. ()

وجه الدلالة من الآية: 

قوله "يأمركم": والأمر يفيد الوجوب وهنا مجرد عن القرائن الصارفة عن الوجوب. وهو خبر بمعنى الأمر، والمعنى يجب عليكم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها.

قوله "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل". 

اقتران أداء الأمانات بالحكم بالعدل ودلالة الاقتران هنا واضحة إذ  قرنت في الآية بالعدل والعدل صفة من صفات الله -سبحانه وتعالى- وهو أوجب الواجبات.

قوله "نِعمَّا": فيه مدح والمدح لا يكون إلا على خير ومعروف وبر وفضل.

قوله "يعظكم": فيه معنى التعهد والوعيد من الله -عز وجل-.

قوله "سميعًا بصيرًا": فيه توعُّد أيضًا على مخالفة ذلك.

قوله -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ...﴾ () 

وجه الدلالة: أن عدم أداء الحق والمماطلة فيه من الباطل والباطل منهي عنه ومحرم, فتكون المماطلة محرمة كذلك.

وأما من السنة: فقد أخرج البخاري عن أبى هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو ماله فلْيتحلَّله منه اليوم قبل أن لا يكون دينارٌ ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه» ().

 ووجه الدلالة من الحديث الشريف:

طلب النبي -صلى الله عليه وسلم- منا التحلل من الحقوق التي علينا سواء مالية 

أو معنوية في الدنيا وإلا فالقصاص يوم القيامة والميزان بالعدل, فيؤخذ من حسنات من لم يُعط الحق لصاحبه فإن فنيت الحسنات أخذ من سيئاتهم ثم طرح عليه ثم طرح في النار -نسأل الله السلامة-. 

ثانيًا السياج التشريعي العملي:

من المعلوم أن الشريعة الإسلامية قد وضعت احتياطات شديدة لمن لم يَرْدَعه الكتاب والسنة, فجعلت تدابيرَ هامةً جداً لحفظ الحقوق, وحثت على توثيق الديون, ومن هذه التدابير.

 الرهن: ومعناه في اللغة: الحبس والثبوت واللزوم، نقول: "نعمة راهنةٌ" () أي ثابتة دائمة قال -تعالى-: ﴿كُلُّ نفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾. ()أي محبوسة.

وفي الشرع: "جعل عين لها قيمة مالية في نظر الشرع وثيقة" بدين يستوفى منها عند تعذر الوفاء.

فإذا استدان شخص دينًا من شخص آخر وجعل نظير ذلك الدين عقاراً 

أو حيواناً محبوساً تحت يده حتى يقضيه دينه ,كان ذلك رهنا شرعًا.

فالرهن شُرع بالكتاب والسنة والإجماع لحفظ الحق, وردع المماطل, وحث صاحب الخق على المسارعة في القضاء, والالتزام في الأداء ,() وله أركان وشروط وتفصيلات ليس هذا محلها.

 الكتابة والتوثيق:

إن تحديد التوثيق في المعاملات من أعظم وسائل بث الثقة بين المتعاملين؛ وذلك من شأنه تكثير عقود المعاملات، ودوران دولاب التمويل، وتنشيط الحركة الاقتصادية في المجتمع.

و(التداين) من أعظم أسباب رواج المعاملات؛ لأن المقتدر على تنمية المال قد يعوزه المال، فيضطر إلى التداين؛ ليُظْهِر مواهبه في التجارة، أو الصناعة، أو الزراعة؛ ولأن المترفه قد ينضب المال من بين يديه، ، فإذا لم يتداين اختل نظام ماله. 

فشرع الله – تعالى- للناس بقاء التداين المتعارف بينهم؛ كيلا يظنوا أن تحريم الربا والرجوع بالمتعاملين إلى رؤوس أموالهم إبطال للتداين كله. 

قال أبو بكر بن العربي -رحمه الله- ولا خلاف بين فقهاء الأمصار أن الأمر بالكتابة والإشهاد والرهن المذكور جميعه في هذه الآية ندب وإرشاد لنا إلى ما لنا فيه الحفظ والصلاح().

وقد ذهب ابن جرير الطبري وبعض السلف إلى وجوب كتابة الدين لقوله -تعالى-: ﴿فَاكْتبُوهُ﴾[البقرة:282]. 

والصواب ما عليه عامة الفقهاء من عندم الوجوب.

الضمان:

من ضَمِن أي: كَفَل مشتق من التضامن; لأن الضامن تضمن حقا ويأتي بمعنى الكفالة ويأتي بمعنى الغرامة، يقال: ضمنه الشيء تضمينا ألزمه إياه فالتزمه().

وأما في الاصطلاح فهو :

 "التزام مكلف غير سفيه لما على المضمون عنه من دين"()، وهو مشروع بالكتاب والسنة والإجماع. 

فالكتاب: قوله -تعالى-: ﴿قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ﴾ () فمعنى الزعيم غارم أي: ضامن، وهذا دليل على مشروعية الضمان وإن كان في شرع من قبلنا(). 

وأما من السنة: فما جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «العاريةُ مُؤدّاةٌ، والِمنحَةُ مردودةٌ، والدَّينُ مَقضيٌّ، والزعيمُ غارمٌ»()، وكذلك أيضًا ما جاء عن الإمام أحمد وغيره عن جابر بن عبد الله قال: «تُوفِّيَ رجلٌ، فغَسلْناه وكفنّاه وحنَّطناه، ثمَّ أتينا بهِ رَسولَ اللهِ ليُصلِّي عليهِ، فقُلنا: تُصلِّي عليهِ. فخطا خُطوةً ثمَّ قالَ: أعليهِ دَينٌ؟. قُلنا: دينارانِ. فانصرفَ، فتحمَّلَها أبو قتادةَ، فأتياهُ، فقال أبو قتادةَ: الدِّينارانِ عليَّ. فقال رسولُ اللهِ: قد أوفي حقَّ الغريمِ، وبرئَ منهما الميِّتُ؟. قال: نعَم. فصلّى عليهِ ثمَّ قال بعدَ ذلكَ بيومٍ: ما فعَل الدينارانِ؟. قلتُ: إنَّما مات أمسِ ! قال: فعادَ إليه من الغدِ؛ فقال: قد قَضيتُهُما. فقال رسولُ اللهِ: الآنَ قد برَدتْ جِلدَتُه»().

وجه الدلالة من الحديثين: 

الأول: قوله "غارم" يعني يلتزم بما ضمنه. 

والثاني: أن النبي أقر أبا قتادة على ضمان دين ذلك الميت. 

وأما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على جواز الضمان في أصله, وإنما اختلفوا في بعض الفروع(). 

 وللضمان أركان هي : 

الضامن وله شروط هي: 

أولًا : العقل, فلا تكليف على المجنون إذا العقل مناط التكليف.

ثانيًا: البلوغ,فلا تكليف على الصبي ولا يصح ضمانه لغيره.  

ثالثًا: الحرية,فالعبد ليس أهلًا للضمان بل العبد يُضمن ولا يثضمن.

رابعًا: الاختيار, فلا ضمان للمكْرَه لأن الاكراه من عوارض الأهلية.

خامسًا: الايكون الضامن مفلسًا,لأن غالب الضمان بل جُلُّه يكون في الأموال.

سادسًا: الذكورة مع خلاف.

 المضمون له.وله شروط: 

أولًا : رضا المضمون له مع خلاف.

ثانيًا: معرفة الضامن للمضمون له مع خلاف.

المضمون عنه و يشترط فيه: معرفة الضامن للمضمون عنه مع خلاف

المضمون به وهو نوعان: الأعيان والديون واشترط في الديون ما يأتي:

أولًا : الثبوت حال العقد على خلاف.

ثانيًا: اللزوم مع خلاف

ثالثًا: أن يكون معلومًا, فلا يصح ضمان المجهول مع خلاف.

رابعًا: ألا يكون الدين على ميت مفلس مع خلاف. 

خامسًا: أن يكون معينًا وهو شرط عند الشافعية()

الصيغة:

وهي القبول والإيجاب وتصح بكل لفظ يؤدي معنى الالتزام من الضامن لما على المضمون (). 

وثمرة وغاية الضمان هي ثبوت الحق للمضمون له فى المطالبة للضامن بالدين، فتطمئن نفس الدائن. 

الإشهاد: 

الإشهاد مصدر الفعل أشهد يقال: أشهدته الشيء واستشهدته أي: طلبت منه أن يشهد، ومن هنا فأشهد واستشهد بمعنى واحد على ما ذكره أصحاب اللغة().

أما في الاصطلاح: فهي: إخبار صادق في مجلس الحكم بلفظ الشهادة; لإثبات حق().

وقيل هى: "إخبار العدل حاكما بما علم ولو بأمر عام ليحكم بمقتضاه"(). 

وقيل هي: "إخبار عن شيء علمه بلفظ خاص" وهذا تعريف الشافعية والحنابلة(). 

والإشهاد مشروع بالكتاب والسنة والاجماع والمعقول:

فالكتاب: قوله -تعالى-: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ ().

وجه الدلالة من الآية: قوله (واستشهدوا) فقد أمرالله -تعالى- بالإشهاد على الديون, ولكن الأمر هنا مصروف عن الوجوب بقرينة الآية التي بعدها إلى الاستحباب.

ومن السنة: ففي حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم رجل كان تحته امراة سيئة

 الخلق فلم يطلقها ؛ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد؛ ورجل أتى سفيها ماله وقد قال الله -عز وجل-: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم...»(). 

وجه الدلالة من الحديث: أن من تعامل فى المداينة بلا إشهاد, فقد عرض نفسه لعدم قبول الدعاء من الله -تعالى- وهذا يفهم منه أن الإشهاد أمر مطلوب في المعاملات وخاصة في المداينة والبيوع.

وأما دليل الإجماع: فقد أجمع العلماء على مشروعية الإشهاد(). 

وأما دليل المعقول: فإن الحاجة داعية إلى الإشهاد لحصول الجحود من الناس والاختلاف بينهم فيه_ وبالإشهاد_ تحصل الطمأنينة وتحفظ  الحقوق وتصان العقود.

والراجح من أقوال أهل العلم في حكم الإشهاد: أنه مستحب وليس بواجب, وقد صرح بن هبيرة -رحمه الله- في كتابه الإيضاح باتفاق الأئمة الأربعة على أن الإشهاد مستحب وليس بواجب, حيث قال: واتفقوا على أن الإشهاد مستحب وليس بواجب().

وللشاهد على الأموال شروط منها:

أولًا : العقل.

ثانيًا: البلوغ.

ثالثًا: الإسلام مع خلاف فيه. 

رابعًا: العدالة.

خامسًا: الضبط والتيقظ. 

سادسًا: الحرية مع خلاف. 

سابعًا: أن يكون الشاهد مبصرًا فلا تصح شهادة الأعمى.

ثامنًا: انتفاء التهمة عنه.

تاسعًا: ألا يكون محدودًا من قبل في حد قذف لقوله -تعالى-: ﴿وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا﴾[النور:4].

عاشرًا: انتفاء الزوجية فلا تقبل شهادة الزوج لزوجته ولا العكس مع خلاف. 

حادى عشر: انتفاء العداوة الدينية. 

ثاني عشر: لا تقبل شهادة العبد لسيده ولا السيد لعبده.

وللشهادة مراتب هى : 

أولًا : شهادة الرجل والمرأتين. 

ثانيًا: شهادة أربع نسوة.

ثالثًا: شهادة رجل ويمين المدعي.

رابعًا: شهادة امراتين مع يمين المدعي.

خامسًا: شهادة رجل واحد.

سادسًا: شهادة امراة واحدة مع اليمين().

الكفالــــة:

الكفالة في اللغة: مصدر كَفل، فيقال: كَفل بالرجل، يكفُلُ ويكفِلُ كفْلًا وكُفُولًا، وكفالةً؛ تكفًّلُ بالشيء بمعنى: "ضمنه والتزم به، ومنه قوله –-تعالى-_: ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾()، فيه قراءتان: 

قراءة التشديد، كفَّلها، بمعنى: ضمَّنه إياها، حتى تكفَّل بحضانتها.

وقراءة التخفيف: وكَفَلَها، بمعنى: ضمن القيام بأمرها(). 

ومن هنا: فبين الكفالة والضمان ترادف من ناحية المعنى، فيكْفُل، وكافل، وضمين وضامن، بمعنى واحد(). 

وفي الاصطلاح هي: "التزام جائز التصرف إحضار الشخص الذي عليه الحق. 

ولكن الكفالة تفارق الضمان بأن الكفالة هي إحضار المدين والضمان هو إحضار الدين.

حكم الكفالة:

اختلف العلماء في حكم الكفالة على قولين: 

القول الأول: المشروعية، وبه قال الجمهور، وهو مذهب الحنفية(), والمالكية()، والمذهب عند الشافعية()، وهو مذهب الحنابلة(). 

وأما القول الثاني: أنها غير مشروعة، وبه قال الشافعية() في قول، وهو مذهب الظاهرية(). 

والراجح من القولين: المشروعية –والله أعلم_. 

ثمرة الكفالة وحكمة مشروعيتها

ثمرة الكفالة تتلخص في تحقيق الأمان، وذلك بوقوع المسئولية على الكفيل، ومطالبة المكفول له بالحق عند الكفيل، وبالتالي: تُحفظ الحقوق ولا تضيع وتطمئن النفوس وتستقر الأوضاع ويأمن الناس على أموالهم. 

وأيضًا توثيق الحقوق وتحقيق التعاون بين الناس وتيسير المعاملات في إقراض الديون والأموال ليطمئن صاحب الحق في الدين أو العين المعارة للوصول إلى حقه، ورعاية مصالحه، ورفع الحرج عن الناس. وبذلك يتبين حرص الشريعه الاسلامية الغراء على مصالح العباد وحفظها وحفظ الديون من الضياع ومعاقبة المفرط المماطل وجبر خاطري الدائن فسبحان من كان هذا شرعه وهذا دينه انه سبحانه الحكيم الخبير.

 والله تعالي اعلى وأعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.