وكيل وزارة الشباب والرياضة بالغربية يشهد ندوة عن "إصابات الملاعب وحالات توقف القلب"/الهرم المصرى نيوز

 

 بقلم: مى جابر

قسوة هذه الشمس الحارقة على هؤلاء الأطفال الأبرياء الذين يعسكرون تحت الكابري تجعل قلبي يثلج، تلك الشمس الصفراء التي تجعلني أشعر بالشفقة تجاه هؤلاء المتسولين، وخصوصاً تلك الطفلة التعيسة التي تجبرني على مراقبتها كل يوم من نفس المكان، أنظر من النافذة أتأملها كم تقاسي تلك الطفلة في هذه الحياةً، أشاهدها تتجول بين السيارات والأرصفة القاسية، بيدها الصغيرة التي تبيع المناديل، تتركها بمهارة بين نوافذ السيارات حتى تجد شخص مهتم بالشراء، كل يوم تحت أشعة الشمس الحارقة التي لا تعيق عن تحقيق هدفها، هو إجبار السائقين على الشراء منها؛ كل يوم في مثل هذا الوضع دون انقطاع يوم واحد، أجد تلك الطفلة في نفس المكان لا تعيقها حرارة الشمس، الرياح الباردة، الأمطار الشتوية.

 

هذه الطفلة التي لا تمتلك دموع داخل مقلة عيناها، لم أراها تبكي من قبل مثل معظم الأطفال، تتصرف مثل الكبار رغم صغر سنها، ولكنها تمتلك نظرة باردة بسبب قسوة الحياة التي تعيشها؛ أظنها تبلغ الخمس أعوام، لا اعلم منذ متى بدأت أهتم بتلك الطفلة، ولا أعلم منذ متى بدأت في ملاحظة تلك الطفلة الصغيرة ومراقبتها حتى أصبحت عادتي اليومية، أظن أني أصبحت هكذا منذ حصولي على" الطلاق" نعم الطلاق المسمى الذي أصبح موضة هذا العصر، وباء المجتمع المميت الذي أصبح يراه الجميع هذه الأيام شيء ما أو وسيلة في تحقيق أحلامهم وطموحهم كأنه شيء بسيط وسهل الحصول عليه، ولكن هذا المسمى الاجتماعي، هذه الكلمة البسيطة، كانت السبب في دمار حاضري، وإعاقة مستقبلي، والآن أصبحت رجل في منتصف عقده الثالث ولدي ثلاثة أبناء تركتهم والداتهم بكل قسوة وذهبت حتى تعيش حياة مريحة من دون مسئولة وهموم، ولكن رغم كل ذلك تستمر الحياة.

 

عندما أشاهد ما يحدث في المجتمع الذي يسقط في الانحطاط يومياً دون توقف؛ أشعر أن هذه الحياة الممتلئة بالقصص والحكايات المؤلمة التي تنتشر بجنون في هذا العصر، جعلتني أفكر وأتساءل هل تتوارث القصص المؤلمة منذ دهر أما مع زيادة صعوبة الحياة عبر الأزمنة جيل بعد جيل تصعب الأمور؛ يعاني الجميع بسبب مشاكل الحب "القلب اللامتناهية"، ولكن هل تعلم أن أصعبها هو انكسار الروح الذي يحدث مع الطلاق، عند الانفصال ينكسر الروح، وتتلاشى، وتتحول الذكريات إلى كابوس تجعل الحياة كالجبل يصعب تسلقه، كلما حاولت أكثر كلما يتضخم هذا الجبل أضعاف دون توقف، حينها فقط تدرك أن هذا الجبل يصعب تسلقه ولم تبلغه حتى بالموت، لم تتوقف عند مشكلتي بكل بكائي وقهري، هذا لم يجعلني أقوى كما يقال الجميع، وإنما العكس جعلني ذلك أضعف من قبل بكثير، عندما أفكر فما حدث في حياتي حتى الآن، لا أستطيع استيعاب كل ما حدث بها، أتساءل كيف تماسكت حتى هذه اللحظة، ولا أعلم من أين جاءتني هذه القدرة على التحمل والتحكم في حياتي التي كانت تؤول إلى السقوط، أظنني استمدت تلك القوة من هؤلاء الأطفال الثلاثة الذي لا حوله ولا قوة بهم، هل هذه القوة التي امتلكها جاءت من ضحكتهم البريئة وعيونهم الصافية، ولكن رغم ذلك لا أعلم ماذا سيحدث الآن ماذا سأفعل مع وجود هؤلاء الأبرياء الثلاثة في حياتي من دون وجود أم وزوجة، تلك المرأة القاسية هدمت بيتي، ودمرت روحي، تجعلني أفكر أحياناً في الموت، وأحياناً أخرى أتمنى لها الموت حين يسألني تلك الجملة الشهيرة( أين ذهبت أمي)،كيف أخبرهم عن مكان والدتهم، وعدم عودتها حتى الآن إلى المنزل، حينها حقاً كنت أتمنى الاختفاء من الوجود حتى لا أجاب على هؤلاء الأطفال بما في قلبي كي لا أكسر خاطرهم، هؤلاء الأطفال الأبرياء المعلقين في رقابتي حتى يوم الدين، منذ انفصالي عن والدتهم يتملكني إحساس بالذنب تجاه هؤلاء الأطفال، رغم عدم مسؤوليتي في هذا الموضوع، ولكن انحطاط أفكاري أحياناً يجعلني أرغب في ترك هؤلاء الأطفال والهروب مثلما فعلت والدتهم، الابتعاد بعيداً، هو كل ما أفكربه، ولكن عندما أنظر من النافذة وأراقب تلك الطفلة التي تقسى عليها الحياة، حينها أتخيل أطفالي بجوارها ويعانون مثلها، عقلي يتراجع عن التفكير ويؤنب ضميري حتى يهذب عقلي من هذا الأفكار المنحطة، وتستمر هذه الحرب القاسية بين عقلي المريض بأمور الحياة الصعبة وقلبي المستسلم للواقع المر؛ هذا الواقع التي خلفته زوجتي السابقة خلفها عندما ذهبت تبحث عن الحرية، والمال، والحياة الأفضل، ولكني أحياناً لا استطيع لؤمها على ذلك، لأنها عانت كثيراً معي خلال الفترة السابقة بسبب قلة المال ودنق الحياة، ولكن ما ذنبي في ذلك كل يوم تصبح الأسعار أعلى من قبل، ومرتبي الذي أحصل عليه من وظيفتي لا يكفي حتى المصاريف العادية للأطفال، والديون تتراكم وتعلو كالتل من دون توقف.

 

وظيفتي السابقة كانت محاسب في الحي، ولكن بعد الطلاق ضاقت الحياة أكثر بسبب رعاية مشاكل الأولاد، تأثرت وظيفتي وتم إجباري عن ترك العمل، بسبب الإهمال، وضياع أوراق مهمة خاصة بالوزارة، خرجت من العمل من دون مكافأة، أو حتى احترام، أو تقدير على فترة عملي السابقة، (كم هذا مضحك بسبب غلطة واحدة فقد كل عملي الشاق في الماضي)، أصبحت الآن مطلق بلا عمل ويعلق برقابة ثلاث أولاد، أصبحت فقير بلا قوة أو قدرة حتى أواجه هذا المجتمع القاسي، أطفالي الثلاثة الذي أكبرهم لم يبلغ العاشرة بعد، وأصغرهم يبلغ عامين، وبرغم علم زوجتي أني طردت من العمل لم تحاول الاتصال والسؤال عن أطفالها، لم تفعل مثل كل أم التي يؤلمها قلبها عندما تعلم أن أطفالها يشعرون بالجوع، لقد تزوجت رجل أغنى وأفضل، وتعيش الآن حياة مريحة التي كانت تتمناها، ولكنها كيف لم تحاول السؤال عن أطفالها لمرة واحد، أو محاولة أخذهم إلى الحياة الجيدة التي تعيشها، هل محاولة المعرفة عن أحوالهم سيجعلها تخسر شيء؟ كم هذه المرأة قاسية القلب بلا مشاعر أو شفقة.

 

لقد وعدت نفسي بعدم أخبار هذه المرأة القاسية بشيئاً عن الأطفال، حتى أن حاولت في يوما ما البحث عن أولادها أو محاولة معرفة شيء لن أخبرها أبداً، حتى أن مرض أحد الأطفال لن أخبرها بهذا سوف أمحيها من حياتي نهائياً، رغم عدم معرفتي عن كيفية فعل ذلك فمازال قلب يعشقها حتى الآن رغم كل شيء قاسي فعلته، فإنها المرأة التي تزوجتها عن قصة حب لمدة ثلاث أعوام؛ أتذكر جيداً هذا اليوم الذي غرزت زوجتي خنجر داخل قلبي بكل قسوة، عندما حاولت إيقافها من الذهاب بعدما كانت توضع جزء بسيط من ملابسها في حقيبة السفر، حين أخبرتني بكل ثقة:

-         سوف أتترك الآن ولم أعود أبداً.

-         لبنى لماذا تفعلين ذلك؟ أعتذر أن سببت ليكِ الحزن.

-         كريم سوف أتركك سأذهب وأتزوج من رجل أفضل.

-         كيف لكِ الجرأة في قولك هذا وأنتي أم لثلاثة أطفال!.

 

حينها لمحت في عينها لأول مرة تلك النظرة المخيفة، وقوتها الغريبة قبل أجابتها الممتلئة بالحزن:

-         لقد عشت معك أيام قاسية كثيرة بسبب قلة حيلتك وقلة مالك، جاء الوقت حتى تتركني أعيش حياتي مثل باقي البشر.

-         لبنى هذا حال الجميع هذه الأيام.

-         كريم من أجلك تم إهانتي أكثر من مرة من الجميع بسبب ديونا الكثير كلاً من الجيران والأصدقاء يطلبوني بكل قسوة بأموالهم التي اقترضها حتى أساعدك في مصاريف الأكل والشرب لك وللاطفال.

-         سوف أدفع لهم حتى لا يطلب منك أحد الدين مرة أخرى.

-         لا تتعب نفسك لقد دفعت والدتي كل الديون ومن الآن أنت حر في حياتك، ولكن لم انهارت حياتك لا تلمني لأنها ليس من دمرها أنه أنت من فعل ذلك.

-         ولكني لم أطلقك أبداً يا لبنى.

-         إذا سوف نتقابل في المحكمة كي اقوم بخلعك لذا حاول الحفاظ على القليل الباقي من كرامتك وأرسل إليَ وثيقة الطلاق وسوف أبرئك من كل شيء، أساساً لا يوجد لديك شيء حتى أخذه لا أريد هذا العفش المتهالك أو الملابس الرديئة.

-         ماذا ملابس رديئة… لقد كنت اشتري لك الملابس ولا اشتريها للأولاد أو لنفسي.

-         كريم أذا كنت تحبني أتركني حتى أعيش حياة محترمة.

 

هذا الوقت لا أعلم كيف سقطت دموعي أمامها مثل الطفل الصغير المعلق في طرف فستان أمه، لم أستطع حينها التحكم بها شعرت به، شعرت أن كرامتي سقطت على الأرض وانكسرت إلى مليون قطعة، وأخذني الكبرياء والجهل لهذا الوضع المقزز حتى أخبرها:

- أذهبي أنت طالق.

 

منذ هذه اللحظة وحياتي في الانحطاط، بعدما أصبحت مطلق بفترة تم طردتَ من العمل، ولكن لم ينتهي الأمر على ذلك، لأن هذا ليس أسوأ ما في الأمر فالأسوأ ما أتي بعد ذلك؛ حين أطرق صاحب البيت على الباب حتى يخبرني:

-         أريدك أن تخلي الشقة خلال شهرين.

 

صعقت كثير للحظات لم أجابها ولكن بعد استيعاب الوضع سألته بخوف:

-         لماذا؟!

-         أنت تعلم أن هذه الشقة كنت تركها حتى يتجوز بها والدي.

-         نعم أعلم ذلك.

-         الآن سوف يتزوج ابني لذلك أخبرك أن تخلو الشقة حتى يجهزها للزواج.

-         متى سوف يتزوج ابنك؟

-         خلال ثلاث أشهر.

-         هذا وقت قصير جداً كيف خلال هذا الوقت كيف سأجد شقة!

-         هذا لا يخصني هذا عملك الخاص.

-         أرجوك إلى أين سأذهب بهؤلاء الأطفال لا أملك المال لإيجار منزل جديداً؟

 

ذهب صاحب العقار وتركني على الباب متسمراً مصعوقاً؛ صرت أفكر في ماذا سأفعل بهؤلاء الأطفال كل أموري ليس بخير ولم أجد حل مهما حاولت التفكير، ولكن رغم ذلك بحث عن شقة مناسبة، وكانت الصدمة في ارتفاع الإيجارات المهول بشكل رهيب، وأصحاب العقارات الشعبية لا يريدون التأجير إلى ساكن عاطل عن العمل بدون وظيفة ثابتة خوفاً من دعم الدفع في المستقبل، وبرغم عملي طول اليوم في الأعمال الحر، أو بمعني أخر في كل من الأعمال التي تحت مسمى الأعمال الشاقة، فلقد عملت في البناء ورفع الحجارة والإسمنت، والنقاشة، والتصليح السباكة والكهرباء، ولكن رغم كل هذا العمل الشاق لم يكفي مصاريف الأولاد فكيف أؤجر منزل بسيط في هذه الدولة.

 

 

فكرت كثير حتى اقتنعت إني لا أصلح في هذه المحافظة الكبيرة،( فالقاهرة لها سكانها كما يقول الجميع)، وتذكرت صديقي الذي خرج على المعاش وعاد إلى وطنه الأم وفتح شركة مقاولات صغيرة، هذا الصديق فما مضى عرض من أجل العمل لديه كمحاسب في شركتها الصغيرة لثقته في إخلاصي بالعمل منذ عامين؛ أخرجت الهاتف وبحت عن رقمه الخاص ولكني لم أجده، لذا هاتفت شخص من العمل حتى يبحث عن رقم الحاج" أحمد فؤاد" المهندس الذي خرج على المعاش منذ عامين، بعد الحصول على الرقم قمت مهاتفته وكان سعيدا جداً من مكالمتي له، ورحب كثيراً عندما علم أني أريد العمل لديه، وبعد علمه لظروفي أخبرني:

-         لا تحزن وأجلب أطفالك إلى هنا بسرعة، ولا تجلب معك شيء غير ملابسكم يوجد شقة جاهزة للمعيشة، وعمل لك ينتظرك منذ عامين.

 

كانت هذه المكالمة الأسعد والأفضل في حياتي التي دمرت منذ فترة؛ شعرت بالسعادة وأطلق زفير من كل قلبي حين شعرت بتحرك صخرة كبيرة كانت تكتم أنفاسي، طويت صفحة الماضي بكل ما بها من قسوة وخيبة أمل، وملئت الحقائب وأخذت الأولاد بعد آذان الفجر، واتجهت إلى المحطة وسافرت على أول أتوبيس إلى بنها في محافظة القليوبية، استقبلني الحاج ( أحمد) بكل سعادة من محطة الباص، وأخذني إلى الشقة الجديدة ثم نظر إلي والأولاد بشفقة يخبرني بحزن:

-         كريم سوف تجد طعام وفاكهة في الثلاجة أستريح الآن وبعد ترتيب أمورك أنتظرك في مقر الشركة.

-         لم يجب عليك فعل ذلك فإني بخير.

-         عندما علمت أنك قادم اليوم نزلت أمس جلبت كل شيء وجهزت الشقة لأجل الأولاد وليس لك.

-         شكرا لك يا حج أحمد هذا الجميل لن أنساه أبداً.

ذهب الحاج (أحمد) وبقيت أتأمل الشقة التي كانت أفضل بكثير عما كنت أتوقع، وأسرع الأولاد إلى المطبخ حتى يتناولون الطعام الدافئ المجهز من قبل الحاج (أحمد).

 

عندما أتيت إلى هنا كنت آمل أن أيام التعاسة انتهت ولكن أظن أن مصيري الملتوي لن أجد به راحة، بدايةً بمدراس الطفلين الكبار (سامر– ساجد) عندما طلبت المدرسة أوراق كثيرة و أغلبيتها من محافظة القاهرة، وأخذ الأمر قربة شهرين في تغير وتجهيز كل شيء منها أوراق نقل مدرسي، وشهادات ميلاد، وتغير عنوان، وتغير بطاقة شخصية، كانت الأمور في غاية الصعوبة حقاً، ولكن بالنسبة إلى (سائر) كان الأمر بسيط التحق في أقرب حضانة من المنزل، ولكن قبل ذهابه إلى الحضانة كنت أتركه مع ابنة الحاج (أحمد) خلال الشهرين الماضيين أثناء تجهيز أوراق مدارس الأولاد.

 

 

تعلق (سائر) كثير بهذه المرأة ابنة الحاج (أحمد) إلى درجة أنها لم يغفو غير في حضنها، وهذه المرأة كانت تحب سائر كثيراً، وكانت تعامله هو وأخواته بمنتهى اللطف، أنها امرأة في غاية الطيبة والجمال (ليلى) ابنته المطلقة التي تركها زوجها من أجل عدم قدرتها على الإنجاب، (ليلى) هذه المرأة الجميلة كيف استطاع زوجها ترك امرأة مخلصة وجميلة مثل هذه المرأة، أنه حقا لا يعلم قيمة الكنز الذي كان بيده، لقد خسر شيء لا يستطيع مخلوق تعويضه به.

 

كانت (ليلى) ترعى أولادي أثناء غيابي ووجودي في العمل مع ولادها لأنها تدير الحضانة التي بها (سائر)، لذلك يذهب إليها أولادي (سامر- وساجد) بعد المدرسة حتى يقضون الوقت معها حتى الانتهاء من العمل؛ مر عام وتغيرت الأحوال وأصبح أولادي أفضل في الدراسة بلا كانوا من الأوائل في المحافظة، كل ذلك بسبب رعاية (ليلى) لهم ومتابعتهم في المذاكرة حتى أصبح من المتفوقين في الدولة، وأصبح العمل في الشركة أفضل وكبيرة الشركة أربعة أضعاف عن ما كانت قبل قدومي، تغيرت أحوالي تحسن عملي وأولادي أصبحوا أفضل، وبدأ قلبي يدق للمرة الثانية من أجل هذه المرأة الحنونة (ليلى)، وكان والدها يدعم علاقتنا ولا يرفضني كزوج لابنته رغم وجود ثلاث أطفال معلقين حول رقبتي، ولكن كان يعشق أطفالي ويعاملهم كجد حقيقي، لذلك أخذت القرار النهائي، وقررت أن أتجوز (ليلى)، ولكن للأسف لم تصير الأمور كما أريد قبل كتب الكتاب بيومين ظهرت طليقتي تخبرني:

-         كريم أريد العودة إليك مرة أخرى.

-         هل فقدتي عقلك!

-         لا لقد عاد إليَ عقلي.

-         لبنى أنت من تركني بالأولاد دون اهتمام في أشد وقت أمر به؟

-         ليست من فعل ذلك.

-         ماذا تقصدين!

-         أنها والدتي هي التي كانت تظل وتُلح حتى أتركك وأذهب أتزوج من ذلك الرجل الغني.

-         ومنذ متى أنت مطيعة إلى والدتك؟

-         كريم أرجوك أولادي يحتجون بجوارهم.

-         الآن هم أولادك وتردي البقاء بجوارهم! أين كنتِ عندما قسى أولادك الحياة؟ أين كنتِ عندما ذهب هؤلاء الأطفال إلى النوم من دون عشاء وفي نفس الوقت كنتِ تعيش في العسل مع زوجك الجديد.

-         كريم أني والدتهم الحقيقية التي أنجبتهم وذلك الحق لن تستطع سلبه حتى أن أردت ذلك.

-         أم.. عن اي ام تتحدثين فالكلاب في الطرقات كانت أحن على أولادك منك.

-         أرجوك يا كريم من فضلك أغفر لي وأرحمني؟

-         أنت لم ترحمني في الماضي فلماذا أرحمك الآن!

-         كريم لازالت أحبك.

-         لبنى أين زوجك الذي تركي زوجك وأولادك من أجله؟

-         تركته.

-         لماذا أنه رجل غني كما تفضلين!

-         كان مريض يغير بجنون.

-         هذا طبيعي ماذا تتوقعين من رجل سرق زوجة شخص آخر.

-         لقد أصبح ماضي وأمر منتهي.

-         لبنى عودي إلى أمك ولا تظهرين أمامي مرة أخرى.

-         لم أذهب سوف أظل هنا ألحقه وأمنعك من الزواج.

-         هل تعلمي أن المرأة التي سوف أتزوج منها ابنة صاحب الشركة التي أعمل بها؟

-         ماذا تعني بذلك؟

-         أعني عندما ألغي الزواج يجب أن أترك العمل لديه وسوف أعود مفلس ومتسول كما كنت بالطبع من عمل أو شقة لأنه يمتلك تلك الشقة.

-         لا أظن أن الحاج أحمد شخص قاسي حتى يطردك من العمل والشقة بسبب هذا الأمر.

-         وأن فعل ذلك هل سوف تستمرين في العيش معي بالطبع سيكون في الشوارع!

-         أعلم أنك تمتلك المال وتستطيع شراء شقة أكبر من تلك لماذا تدعي الفقر أمامي!

-         من أخبرك بذلك!

-         حنان زوجة صديقك المقرب.

ضحكت بسخرية على هذه المرأة التي يمتلكها الجشع ثم أخبرتها:

-         كم هذا مضحك.

-         ماذا تقصد!

-         أنها كانت تغيظك.

-         ماذا تعني بذلك!

-         لقد خدعتك حتى تهزئ بكِ ألقت الطعم أمامك وأنتِ ابتلعته بكل سهولة.

-         أنت تكذب.

-         لن أحاول إقناعك سوف أتركك كما أنتي تشعرين بالجنون من المجهول.

-         كريم أفعل كما تريد ولكني أيضاً سوف أجلك تندم على رفضك لي.

-         ماذا ستفعلين؟

-         سوف أرفع قضية حضانة وأخذ الأولاد منك وأبحث عن محامي محترف حتى أخذ نفقة كبيرة للأولاد وأجعلك تعلن إفلاسك ولن تراهم مرة أخرى حتى اقهرك.

-         وهل ستجدين قاضي يعطي الأطفال إلى أم تركتهم مع والدهم الفقير حتى تتزوج من شخص آخر ثري!

-         سوف ترى ذلك عندما أخذ الأولاد من بين يدك حينها لا تلوم غير نفسك.

 

كانت المرة الأولى التي أرها تشتعل إلى هذه الدرجة، كانت طليقتي من النوع الذي يظهر على وجهها طموحها والمال الذي كسبتها خلال السنة الماضية هو كل ما يهمها، رغم معرفتي ما تريد ولكن هذا الأمر جلب إلى قلبي التعاسة أكثر من طلبها الطلاق في الماضي، شعرت أنها لم تحبني أبداً في الماضي، أنها امرأة لا تحب ولا يهمها شيء غير نفسها في الماضي أو الآن؛ مر يومين على هذا الأمر، واليوم هو اليوم الموعود للزواج من (ليلى)، كنت في غاية السعادة، وكانت السعادة واضحة جداً على وجهها، وكان الجميع يعبرون عن السعادة بالضحك والتهنئة، وكان الأولاد يتجولون في المنزل بسعادة، ولكن لا أعلم لماذا فجأة شعرت بالخوف عندما بحثت بعيني عن (سائر) ولم أجده، سألت أخواته لكنهما أنكرا معرفتهما بمكانه، ظلت أبحث عنه، وظل الجميع يبحث معي، ولكن مهما بحثنا عن الطفل لم نجده، تتحول السعادة إلى حزن وقلق على الطفل المفقود، وظل الجميع يبحث عن الطفل في كل مكان، وعندما لم نجده سألتني (ليلى):

-         هل هاتفت والدته؟

-         لماذا أفعل ذلك.

-         لأنها أمه يجب أن تعلم عن هذا الأمر.

هذا الوقت تذكرت تهديدها وفكرت ثم رفعت هاتفي أسألها:

-         لبنى هل أنتي من أخذ الطفل بعيداً حتى تخربين زفافي؟

-         نعم الطفل معي.

-         هل أنتي مجنونة كيف تأخذين الطفل من دون أخباري بذلك!

-         أنه ابني أيضاً.

-         أين أنتي الآن؟

-         في الباص عائدة إلى القاهرة.

-         أرجعي سائر فوراً قبل إبلاغي بالشرطة.

-         لم أعود سوف نتقابل في المحكمة.

-         هل تعتقدين أن زواجي سوف يدمر بما تفعلين أنتي تتمنين سوف أكمل الزواج وأعود لاحقك أخذ الطفل.

في لحظة جنون قررت أن أعاند تلك المرأة ولا أفعل ما تريد، لذا عدت وأكملت زفافي ولكن في الصباح الباكر استقبلت مكالمة من رقم مجهول يخبرني:

-         حضرتك وجدتنا هذا الرقم في آخر مكالمة في هاتف المريضة.

-         ماذا تقصدين؟

-         مستشفى العاصمة استقبلنا حالة خطيرة امرأة وطفل من حادث الأتوبيسات على الطريق العام.

-         هل الطفل بخير؟

-         أنه في العناية المركزة.

-         سوف آتي الآن لذا اهتمي بالطفل ورعايته جيداً حتى أحضر.

 

عندما علمت زوجتي الأمر شعرت بالصدمة وذهبت معي إلى المشفى، ولكن عند وصولي كان (سائر) تركني ورحل، لم ينظر والده حتى يودعه، ضاع أغلى وأجمل طفل في الوجود إلى الأبد، والمثير للشفقة أن أمه كانت بخير وبها خدوش بسيطة، لم أشعر بنفسي عندما ذهبت إليها وكف يدي نزل على وجهها أسألها:

- كيف أنك بخير و طفلي مات أين كنتِ عندما حدث ذلك لـ سائر؟

- لا أعلم.. لا أعلم.

سقطت على الأرض تبكي بجنون تنتدب (لقد قتلت طفلي، طفلي مات بسببي)، ظلت تبكي بجنون منذ وجدنا في المشفى حتى الانتهاء من الدفن، ومنذ ذلك الحين لم أرها مرة أخرى في حياتي ، وبالطبع تم دفنه في مدافن عائلة الحاج في بنها حتى يكون بالقرب مني ومن أخواته، كسر قلبي إلى قطع صغير، وهذا الكسر لم أجد له علاج حتى بعد مرور الكثير من الأعوام حتى (ليلى) حزنت بشدة على (سائر) لأنه كان المقرب لها بين أخواته، ومرضت لفترة من الحزن، ظلت أسابيع أفكر في تلك الطفل التي تعاني من الفقر والتسول تحت الكباري، لذا تحدثت مع (ليلى)، وقررت أن أذهب وأبحث عن تلك الطفلة واكفلها حتى تستطيع العيش من البشر.

 

هذه الطفلة (ندى) كانت البداية وبعد عدة سنوات اشتريت بيت كبير مع الاشتراك مع حماي الحاج (أحمد) فتحت منزل الأخوة لرعاية المحتاجين، وبدأنا في استقبال الأطفال المحتاجين، وبعد فترة بدأ الناس في تقديم تبرعات، لذا استقبالنا كل حالات المحتاجين وليس الأطفال فقط؛ كبر العمل وأصبحنا من أكبر الشركات في الوطن العربي، وكبر الأولاد وأستلم الأبن الأصغر مركز الرعاية حتى يهتم به، والابن الأكبر أصبح طبيب جراح، والطفلة (ندى) تزوجت وأنجبت طفلة جميلة، والابنة الأصغر أصبحت يدي اليمين في العمل( نعم ابنتي لولوة الصغيرة هي النعمة التي أنعمها الله علي من زوجتي الجميلة الحنونة ليلى).

علمت رغم ذلك أن كل ما مرت به من كوارث وأزمات أنها كانت البداية في طريق السعادة وراحة البال التي نعمت بها في النهاية، ولكن من دفع الثمن غالي كان طفلي البريء، هذا الطفل الصغير سائر الذي مات ضحية الطلاق، حينها أدركت أن الاختيار الصحيح منذ البداية هو ما يجلب السعادة لحياتك في النهاية.