عيناك/الهرم المصرى نيوز

 

بقلم / احمد الحسينى

 كان طريق العودة طويل هذه الليلة على الرغم من خلو الطريق من

السيارات في تلك الساعة من الليلة المقمرة من بداية شهر ربيع

الثاني الحادي عشر من مارس لعام 2011 بينما

يقود أحمد سيارته الحديثة التي تسلمها من عمله

بالسعودية منذ بداية أكتوبر الماضي فور قدومه حيث بدا عمله بمنطقة جازان جنوب غرب السعودية والمتاخمة للحدود اليمنية

وبعد أن أنهى يومه بزيارات العملء في مناطق متفرقة وفق خط

السير اليومي عائدا من محافظة الصامطة المتاخمة للحدود اليمنية

وبعد أن قطع ما يقرب من مائة وعشرين كيلومترا منطلقا بسرعة

جنونيه على طريق فردى متعرج عرف أنه من أخطر طرق السعودية

وأكثرها حواد لطبيعة تضاريسه الوعره ولكن الطبيعة المغامرة

لشخصية أحمد المصري تجعله دوما يعيش على حافة الخطر كأنه

يألف هذا الشعور بالمخاطرة كجزء من حياته وعمله بالمبيعات

والتي تتسم بالترقب والمخاطرة وتحقيق الهدف أشعل سيجارة

03

وفتح نافذة السيارة ليشعر بهواء مارس الليلى البارد يعصف به

ويصفى ذهنه وربما يعيده إلى طفولته القى بعقب السيجاره وبدات الذكريات تهب مع نسمات الليل  تذكر أن هذه الليلة هي يوم

عيد ميلاد أمه ترحم عليها وقرأ لها الفاتحة وتذكر كيف كان ينتظر

بشوق هذا اليوم من كل عام وكيف كان يحرص على أن يهديها

هديتين  كل عام في هذا الشهر نظرا لتوا فق شهر ميلادها مع عيد

الأم وكانت دوما تلح عليه أن يكتفى بهدية واحدة ولكن دون

جدوى وكأنه يريد أن يكرمها كما تستحق فيخفى الهدية الثانيه لعيد

الأم ليحتفل معها ثانية... كم تمنى أن تعيش حتى تشاركه يوم

عر سه وترى أبناءه وتربيهم وتعلمهم كما علمته !! ولكن عاجلها

المرض اللعين أثناء درا سته بالجامعة وقضى عليها سريعاً وربما قضى

أيضًا على جزء من أحلامه معها وهاهو الآن بأحضان الغربة

مسافرا بمحافظات السعودية هائما على وجهه بين  شعاب منطقة

جازان يبحث عن عملاء جدد للشركة التي يعمل بها مندوباً ،تاركاً

زوجته العروس التي لم تكمل عامها الأول ولم تحمل منه طفلً بعد،

وذلك بعد أن تراكمت عليه ديون الزواج وضاق الحال فاضطر

للسفر بحثا عن المال و سداد الديون فبادر بشرا ء فيزا عمل كعامل

نظافة رغم حصوله على مؤهل عال وقد لام عليه الكثير من أقرانه

04

تصرفه هذا ولكنه لم يجد حرجاً في أن يستخرج مثل تلك الفيزا لأنه

ذاهب للعمل بشرف فما الذي يخجل منه ؟ّ! أتم إجراءات السفر

مضحياً بكل شيء ومخاطرا بمستقبله سائرا نحو المجهول أملاً منه

في تغير المسمى  الوظيفة بعد السفر كما يحدث مع كل المصري فوجئ

بأن جميع المندوب بتلك الشركة والذين يعملون بها منذ سنوات لم

يتغير مسماهم الوظيفي..... حسناً للغربة ثمن لاشك... و محاولا كسر رتابة الطريق .... أدار المذياع بالسيارة ليسمع أنباء جديدة عن

أحدا الثورات العربيه ومايسمى بالربيع العربي بمصر واليمن

وليبيا وكان الخبر الأهم في تلك النشرة نشرة العاشرة مساء هو خبر

توقيع الرئيس اليمنى على عبدالله صالح في الرياض على اتفاق نقل

السلطة في اليمن في ضوء المبادرة الخليجية حيث اتفقت الأطراف

على تشكيل حكومة وطنية خلل أربعة عشر يوماً وإجراء انتخابات

رئا سية خلل تسع يوماً وهذا بعد قرابة شهر منذ بداية اندلاع

أحدا الثورة في اليمن السعيد في 22 فبراير 1122 والتي اندلعت

شرا رتها الأولى في 12 يناير 1122 منادية بسقوط حكم الرئيس على

عبداالله صالح وتزامناً مع الأحدا في مصر وليبيا وتونس حيث

بدأت الثورة في مصر في 25 يناير بعد ثورة تونس ثم تنحى الرئيس

05

المصري مبارك في الثامن من فبراير، ثم اعلن المجلس الوطني

الانتقالي المعارض في 2 مارس 2011 ببنغازي ليبيا أنه الممثل

الوحيد لليبيا وذلك بعد أن سيطرت الميليشيات المعارضة

للحكومة الليبية في 13 فبراير على و سط مدينة مصرا تة الساحلية

بعد طرد القوات الموالية للقذافي.....بما يشير الى ان الشرق

الأو سط يتشكل من جديد ولكن إلى أين؟..

ارتفع صوت جرس التنبيه لمؤشر الوقود ليعلن عن قرب نفاذ

الوقود معطيا لونا أخضرا على تابلوه القيادة خلف عجلة القيادة مما

يعنى أن عليه أن يتوقف ليملأ خزان الوقود كانت الساعة قاربت

على العاشرة والنصف مساء وقد قطع ثلثي المسافة للمنزل هدأ من

سرعته شيئاً فشيئا متخذ ا الجانب الأيمن من الطريق ملقياً بنظرة

على لوحات المرور الإشارية بحثا عن أقرب محطة بنزين توقف

بمحطة بنزين بيش والتي كانت فارغة تماما في ذلك الوقت من

الليل كما كان حال الطريق حيث تقع محطة بيش على طريق الملك

عبد العزيز الدولي وتتبع محافظة "بيش" الوا قعة على الطريق الدولي

جدة جيزان اليمن في الجزء الشمالى من منطقة جازان بالمملكة - -

06

العربية السعودية التى كانت تسمى سابقا أم الخشب وتشتهر

بالزراعة لموقعها المجاور لوا دي بيش وهو من أشهر الأودية

بالمملكة كما تشتهر بصيد الأ سماك لقربها من البحر وتقع على قربها

مسافة عشرين كيلومترا مدينة جازان حسنا لقد قطعت مائة

وعشرين كيلومترا وباقي ستون كيلومترا على المنزل ب "الدرب"

فلا بأس من ا ستراحة قليلة هنا لاحتساء قدح من القهوة العربية مع

النرجيلة العربية بينما ينهى عامل البنزينة غسل السيارة وبالقرب من

البنزينة ألقى ظهره على أريكة ا ستراحة بيش مطلاً من النافذة على

البنزينة ومطلً بذهنه على ذكرياته.....مضى ستة أشهر على قدومه

للسعودية،وقد توقف الا ستقدام بعدها كما توقفت الزيارات

للزوجات مما حرم زوجته اللحاق به لتبقى امنيتها فى الانجاب

بعيدة المنال ، تم تطبيق نظام الباقات للشركات السعودية وذلك

وفقا لنسبة العمالة السعودية بها و جاءت شركته في أقل تلك

الباقات...قامت ثورة يناير بمصر فهل

تتغيرالأمورللأفضل...؟!أم....للأ سوأ ...؟!!!.

الراتب هنا ليس كما تم الاتفاق عليه في مصر ولذا لم يدخر شيئا

حتى الآن.... اخذ يسأل نفسه ماذا عن الديون التي علي بمصر؟!

07

لقد اقترضت ثمن الفيزا ومابال الديون الأخرى السابقة ؟!لا

يمكن أن أعود لمصر خاوى الوفاض ربما أفضل شيء فعلته أو ربما

وفقني الله إليه هو اداء فريضة الحج و العمرة وزيارة المسجد

النبوي الشريف قائل لنفسه "لقد سعيت وليس على إدراك النجاح

؟!" ولكنه في قرارة نفسه يشعر بمرارة الحسرة على العمر الذي مر

هباءً وتزوجه في سن متأخرة وظروفه المتعثرة وبعد ا ستغرا قه فى

حديثه لنفسه هذا كان قد أنهى براد القهوة العربية في نفس الوقت

أتم عامل البنزينة عمله على أكمل وجه ورغم شروعه فى ركوب

السيارة ظل يفكر بما سمعه بالنشرة عن أحدا الثورات فقد

قامت ثورة 12 يناير بمصر ومازالت الأحدا ملتهبة بها، ومما

يجعله يتصل يوميا بزوجته ليطمئن على حالها وعلى حال إخوته كما

اضحى حريصاً على مشاهدة الأحداث بمصر يوميا عبر شاشات

التليفزيون وو سائل الإعلم وكأنه أمام مشهد لمسلسل تليفزيوني

أحداث لم يكن يتوقعها أحد لابد أن أعود لمصر مصر تتغير –

و تصبح أفضل بلد العالم لوانتهت المحسوبية والشللية

والو ساطة...فهل تغير الثورة كل شيء؟....أم تبقى الامور على

حالها ولاشيء يتغير؟ وماذا عن الوضع هنا بالخليج ؟هل هوأ من

08

بما يكفي؟ وهل يتكرر نفس السيناريو بين عشية

وضحاها..هنا..!!!ماذا يكون حال المغترب من الجاليات

المقيم بالسعودية لوحدثت ثورة أطاحت بالحكم الملكي؟..لقد

تأخر عامل البنزينة في إحضار باقي النقود حسنا لامانع من -

الانتظار قليل فأخذ يحد نفسه عن مستقبله ونتائج سفره

ويسترجع ذكريات تلك الليلة المروعة فى الأ سبوع امااضي عندما

كان يعبر نقطة تفتيش الصامطة على الحدود اليمنيه السعوديه عندما

رفضت السيارة الجيمس الرباعية الدفع التوقف للتفتيش وكيف

كانت ردة فعل الشرطة دون هوادة وبكل حزم عندما أفرغ الشرطي

خزانته في جميع الركاب بداية بالسائق الذي توفى على الفور...لم

يحاول الشرطى حتى أن يبادر بضرب عجلت السيارة لإجبارهم

على التوقف...كان مشهداً قا ياً لم يشهد مثله بمصر طوال عمرا

عاشه بها منظرتطاير شظايا الزجاج مختلطة بقطرات الدماء

لتسقط على يارتة ومشهد الدماء والذي كان أشبه بنافورة المياه

وعندما فتحت أبوا ب السيارة و سقوط الجثث منها رجالا ونساء  

سقطوا و سط بركة الدماء جميعهم يمن يأتون هارب من ويلات

الفقر وشبح الجوع طمعا في خبز وعسل البترول

09

السعودي....كانت الدماء تسيل من العربة ويتطاير رزاز حطام

الزجاج مختلطا برائحة الدماء على زجاج يارته وعلى موتور عربة

القتلى ليحد رائحة دخان أشبه برائحة الشواء....لقد ماتوا

جميعاً ....حالم بجنة الفردوس وامل في رَفه العيش ولو في رق

العبودية.. ضاعت ارواحهم هباءً بل ثمن... بعدها أحضرت

الشرطة عربة نقل الجثث لتضعهم متراص كقطع الحجارة الصماء

في كون ماتوا بلرحمه ولاهدف، بل جنازة ولا وداع ،بل بكاء

ولانحيب ...ماتوا فى صمت ... أمره الشرطي بالتحرك حيث

كانت يارته تقأ خلأ تلك السيارة مباشرة لكنه كان في حالة

ذهول تام لم يقدر أن يتمالك نفسه ولم يقو على أن يدير محرك السيارة

عنفه الشرطي يامصرى ايش بيك اتحرك "حرك" "حرك" ودون أن

يشعر بنفسه وجد السيارة تدور وتمشى وهو في حالة ذهول ربما لم

تبرحه حتى الآن.... كانت الساعة قد شارفت على الحادية عشرة

مساء عندما أتى العامل البنجالى بباقي النقود معتذرا عن

التأخير.... حسناً لا يجب أن أعمل متأخرا في تلك المناطق

الحدودية بعد الآن فمازالت الأوضاع غير مستقرة على الحدود

اليمنية وعلوة عن ان درجات الحرارة هنا تصل إلى الخمس

21

درجة مئوية في الظل فقد كان يروى أن منطقة جازان كانت محبس

الجن في عهد سيدنا سليمان ماا عرف عنها من ارتفاع الحرارة

والعمل ليلً يتميز بأنه لا يوجد منافس من الشركات الأخرى

وتستطيع أخذ وقت أكتر مع العملء ومعرفة احتياجاتهم وتكوين

صداقات شخصية معهم...حسناً لكنها ليست مصر وكل بلد ولها

طبيعتها خصوصا بعد الأحداث الأخيرة يبدو أن الأحداث

الأخيرة جعلت الحكومات قد رفعت من درجة تأهبها في الشهور

الأخيرة....حسناً يجب العودة للمنزل فقد كان يوماً طويلً حقا

وغداً يو م آخر شا ق فيجب أن أزور القنفذة والقوز لتحصيل

المتأخرات من الشهر السابق وعمل طلبيات جديدة وبعدها أحرم

من ميقات يلملم كعادتي كل شهر فهذه هي أمتع ما فى

السعودية..."العمرة " حسناً لقد تذكرت يوجد ماكينة صراف هنا

على إيداع الإيراد اليومي حتى لا أنساه.. بعدها أدار محرك سيارته

شاقا طريقه للمنزل وبينما يَهم بالخروج من محطة البنزين

ا ستوقفه صبي في السابعة عشرة من عمره قمحي البشرة ممتلئ

الجسد يمسك بيده حفنة من الأوراق الدرا ية والمذكرات وكتب

20

المذاكرة وقد بدا عليه الإعياء وغبار السفر ا ستوقفه ائلً هل

يمكنك إيصالي إلى الدرب؟ فقد كنت ألعب الكرة مع أقراني هنا

بعد أن أنهينا المذاكرة وعندي امتحانات ولابد أن أبيت في منزلى

بالدرب والوقت كما ترى ولا أجد و سيلة انتقال وأنا مستعد لدفع

أجر الطريق.

أجابه أحمد المصري:

 حسناً لا بأس اركب فالوقت متأخر فعلً ...وفقك الله

لكنى لا أتقاضى أجرا هذا حق الطريق يا أخي اركب

أوصلك لوجهتك فهي بطريقي تفضل.

 شكرا جزيلً لك يبدومن لهجتك أنك مصري والله إنكم

أهل كرم يا أخي جزاك الله خيرا .

 نعم أنا مصري وأنت من الدرب؟

 نعم أنا من الدرب هههههههههههه!

 أهل بك

كان أحمد منهكاً من عناء اليوم الطويل ولايستطيع مجاراة الشاب في

حديثه عن الأفلم المصرية والمسلسلت التي يحفظها عن ظهر قلب

22

فتركه يتحدث مكتفياً بمتابعة حديثه مبتسما أحيانا ويومىء برأ سه

أحيانا أخرى فقد كان الفتى يتمتع بموهبة التقليد للأصوات ويحفظ

جميع الأفلم المصرية والمسلسلات المصرية بصورة ملفتة، كان هذا

مدعاة للفخر لأحمد فى قرارة نفسه فالسينما المصرية ساهمت في

تشكيل وجدان الشعوب العربية وربما خلق هوية ثقافية مشتركة

ولكن مع الأ سف فقد نفذت طاقة أحمد ورغبته في الحديث شعر

الشاب بذلك فحاول التأكد من متابعة المصري لحديثه مبادرا إياه

 هل حديثي ممل ؟أم أنك مرهق؟

ضحك المصري من كلامه.... مؤكدا....

 نعم أنا مرهق.

كانت نقطة تفتيش الدرب قد شارفت على الظهور فسأله الشاب

المصري :صحيح... لم تخبرني ما ا سمك؟

 فقال له عبد الله ثم عاود سؤاله عن المسلسلات التي يحبها

والممثل المصري بينما ظهرت في الطريق أضواء نقطة

التفتيش...

23

فبدت النقطة مزدحمة بالسيارات رغم خلو الطريق من السيارات

طوال الرحلة فلماذا هذا الزحام ومن اين جاءت كل هذه العربات

هنا؟ ربما هناك خطب وربما حادثة؟ أخذ أحمد يسأل نفسه ثم نظر

للصبى قائل أعطني بطاقة الهوية يا عبد الله فقد توقفنا شرطة نقطة

التفتيش

 حسنا حسنا عندما نصل لا تنشغل بغير الطريق...

هههههههههههههه

 لكننا بالفعل وصلنا هيا أخرج بطاقتك حتى لانتعطل

طويلا في النقطة.!!!

بينما هما في ذلك الحديث كانت السيارة تقف بهما أمام الشرطي

بنقطة التفتيش الذي لاحظ انفعال المصري على الشاب وتعنيفه له

بينما يفتح أحمد زجاج شباك سيارته الكهربائي ممسكا بهويته بيده

نظر الشرطي محدقا بالهوية تارة وبوجهه تارة أخرى ثم

أدخل رأسه من نافذة السيارة محدقا بالشاب "وأنت وين

هويتك؟".....

تلعثم الشاب قليل ثم قال هي مع أبى حسنا لقد نسيتها في المنزل

أتصل به ويحضرها.... هو هنا في الدرب

24

طلب الشرطي من المصري التوقف وركن السيارة كما أخذ منه

هويته ورخصة السيارة ورخصته الخاصة لحين التحقق من بيانات

الشاب والاتصال بأبيه

لم يبد أحمد أي اهتمام ولكنه عاتب الشاب أمام الشرطي...

 كان يجب عليك إخباري من الأول أنك لا تحمل هوية

 أنت لم تسألني !

 حسنا أنا من أخطأ !!!

أخذ الشرطي الشاب إلى المغفر بينما انتظر المصري بالسيارة ومرت

ربع ساعة دون جديد أشعل سيجارة أخرى وجلس ينتظر....لم

يكن الأمر في حاجة لمزيد من التأخير فالوقت شارف على منتصف

الليل وهو بالكاد لا يستطيع أن يفتح عينيه....أغمض عينيه بعد أن

ألقى بعقب السيجارة من النافذة تاركا للنوم العنان.....ا ستيقظ

على صوت الشرطي...يامصري..انزل من السيارة ستأتي معنا إلى

المغفر أنت متهم بتهريب مجهول !!!!!!!!!!

***

25

عند دخوله غرفة الحجز بقسم شرطة الدرب كان يشعر بالذهول أو

ربما ظن أنه يشاهد فيلما ينمائيا...لا يمكن أن يكون ما يحدث هذا

حقيقي لابد أننى في حلم عابث...بل أنه كابوس...هذا شيء لا

يصدق...كل شيء حدث بسرعة فائقة من التوقيف في لجنة الدرب

إلى هنا في الحجز وكيف لم أتنبه أن اسال الفتى عن هويته؟؟!!

وكيف لم ألحظ عليه غبار السفر واتساخ ملبسه؟! كيف يمكن أن

يكون سعودياً وبهذا المظهر؟ ربما لأنني كنت مرهقا ظاناً أن معظم

سكان هذه المنطقة من السعودي بسطاء ولهم مظهر قريب من

اليمن لقد أخذوا منى الأقوال هنا أنا فعلا لم أكن أعرف هويته

وهم لا يصدقون ويتهمونني بالتهريب....هل المهرب يمكن أن

ينقل شخصا واحدا ويمر به من نقطة التفتيش...؟! حسنا لقد

رأيت أمامي ماذا يحد للمهرب بنقاط التفتيش الأ سبوع

الماضي...أنا مشوش التفكير لا أ ستطيع التفكير أنام هنا فى هذه

الغرفة و سط هؤلاء المتهمين  معظمهم يبدو يمنياً لكن أنا لم أدخل

قسم الشرطة في بلدى يوماً واحداً ...... لابد أن أنادى على الحارس

.لابد أن أضيف شيئاً للأقوال. لابد أن أحدث الشرطي أو المأمور

أو المسؤول هنا.. ذهب إلى الباب الحديدي وأخذ ينادى على

26

الحارس ولكن أحداً لم يجبه...كيف يحدث هذا معي ؟وما السبب

؟ومن أين ظهر لي هذا الشيطان اليمنى؟ وهل جزاء المعروف

ضرب الكفوف؟.....اقترب منه أحد الموقوفين بالحجز رجل

خمسيني نحيل يرتدى الجونيل اليمنية ويضع طوق الورد واليا سمين

على رأ سه حسنا يبدو يمنياً هو الآخر بادره الرجل اليمنى أهلاً

و هلً بك يبدو أنك مصري...صحيح؟....أليس كذلك؟ !

لم يبادله الرد فقد كان ذهنه مازال مشغولا بإيجاد تفسيرا لما حدث

معه ولكنه ظل موجها نظره إليه بتفحص ..حسنا لاتقلق لن تنتظر

هنا طويل في الصباح يتم ترحيلك إلى إدارة الجوازات

بجيزان...ربما يبدو عليك الجزع نوعا ما لأنك لم تعتد ارتياد مثل

تلك الأماكن لكن لابأس لا داعى للصياح....لن يجيبك أحد....

فنحن هنا في نقطة حجز فقط وصياحك لن يغير شيئا..تبدو

مرهقا.. يمكنك أن تنام هناك في تلك الزاوية حتى الصباح خذ هذه

البطانية وأ سند رأ سك على تلك الكومة من الملابس...في الصباح

ينتهى كل شيء...........!!....بعد دقائق وقبل أن يغط أحمد

في نومه فتح باب غرفة الحجز ليدخل الصبى اليمنى عندها

27

جن جنون الشاب المصري وقفز مسرعاً نحوه مبادره بلكمة في

وجهه عاجلته بسقوط مدوي على الأرض بعدها أخذ ينهال عليه

بالضرب وهويوجه إليه الشتائم ويعنفه ويسأله مااذا لم تخبرني

بهويتك...؟! فصل الموجودون بينهم محاول تهدئة المصري الذي

كان ثائرا كالثور الجامح حاولوا تهدئته وإبعاده عن الصبى اليمنى

الذي توعده بأنه يدفع الثمن غاليا وأنه لن يترك فعلته هذه تمر

مروراً عابرا ..جلس اليمنيون حول كل واحد منهم في حلقة

وأخذوا يتبادلون الحديث انقسمت الغرفة إلى مجموعتين مجموعة

تؤاذر اليمنى ومجموعة تؤاذر المصري ا ستغرب المصري من موقف

أبناء الشعب الواحد فسأل الشيخ الذي كان قد أعطاه الغطاء

والمخدع ففهم منه أن الصبى اليمنى يريد أن يساومه على براءته

وإلا يدعى أنه أخذ منه خمسمائة ريال عودي نظير تهريبه من بيش

إلى الدرب وأنه ثمن ماا فعله وتعديه عليه يأخذ خمسمائة ريال

سعودي الآن نظير اعتدائه عليه !!!!....

أجابه المصري:

 ومارأيك؟

28

أجاب الشيخ اليمنى: هذا الولد حوثي ونحن علمناه من بلده

لاتعطه شيئا نشهد معك جميعا

كانت أصوات الجلبة والصراخ والصياح قد أيقظت الحراس الذين

أتوا مسرعين وعندما علموا بالوا قعة أخذوا الصبي اليمنى

لاحتجازه بغرفة أخرى وبينما هو خارج أخذ يتوعد المصري ثانية

بأنه سيدفع الثمن غاليا....!!!!!

في الصباح أتى العسكر لينادوا على من يتم ترحيلهم إلى إدارة

الجوازات بجيزان لمباشرة التحقيقات بإدارة الجوازات بمنطقة

جازان كما تم ترحيل الشاب اليمنى إلى بلده تساءل احمد عن بب

اختفاء الصبى اليمنى فأجابه أحد اليمن : توجد عربتان

للترحيلت تتحركان يومياً إلى جيزان فالقانون السعودي يكتفى

بترحيل اليمني إلى بلدهم فورا دون عقوبة كما لا يتم احتجاز أي

يمنى فترة طويلة هي يوم أويومين على الأكثر وذلك للكثافة العالية

لليمنيين المتسللين عبر الحدود بصفة يومية والتي تقدر أعدادهم

بالآلاف يومياً واحتجازهم يعنى المزيد من الإعالة اليومية من

وجبات وعلاج وخلافه وإشغال الأماكن بالمغافر.

29

ركب أحمد سيارة الترحيلات الكبيرة وسط جمع من اليمنين

والأثيوبيين والسودانيين والصوماليين  الموقوفين والمرحلين إلى إدارة

الترحيلات بمنطقة جازان لمتابعة التحقيق معهم أخذ يفكر في

قرارة نفسه كيف يمكن أن يكون القانون هنا يساير الخطأ...؟ فلو

أن هناك رادع للتسلل لما تسلل أحد لكن يتم الترحيل وفي اليوم

التالى يرجع المرحل متسللا ثانية؟ فعلى أي أساس تكون

القاعدة؟ تقنين الخطأ بمنعه ؟أم بمسايرته؟ فالأجدر هومنع

التسلل وليس التأقلم معه!!!

كان جميع الراكبين معه يتبادلون الضحك والهزار مع بعضهم

البعض والغناء كأنهم هم في رحلة غير عابئين بأي شيء أو كمن لا

يحملون للدنيا هماً ولا تبعات يسيرون خفافاً أينما تنقلهم الريح

يقتاتون الفتات ويعيشون بسلام يملؤهم الرضا وتكسوهم

القناعة....شعر عندها بأنه ربما يكون هو من قد أخطأ حسابات

الحياة فهناك من يعيشون سعداء في أسوأ الأحوال....فليس

أسوأ حا ا لا من هذا الذي نحن فيه.... فمن أين لهم بكل هذا

الرضا؟؟!!

31

لاحظ أحد اليمني حالته وشعر بمدى حزنه فبادره ايش يا

مصرى..ما تنعى الهم زي مابتقولوا عندكم "كبر دماغك"خليها

على الله....

ابتسم أحمد له وقال له:

 عندك حق بس هو الموضوع لسه مستغربه بس شوية!!!

 ما الغريب في هذا؟!

 تضحكون وتغنون وأنتم مرحلون ؟

 غدا نعود لليمن وبعد غد نتسلل ثانية.....

ههههههههههه!!!!

 هذه هى أكبر مشكلة والتسلل هذا لن ينتهى أبدا !!

 وما المشكلة...؟!نحن عمالة رخيصة والسعودية مستفيدة

مننا كما أن جميع أهل جيزان والصامطة صيبيا وبيش

والدرب من أصول يمنية وهذه أرضنا والسعودية تعلم

ذلك لذلك لم يستثمروا فيها أي خدمات ترى باقي

السعودية كيف تكون الخدمات وهنا مافى...لأن.... أهلها

يمنيون حتى الشرطة هنا هم أبناؤنا ومتزوجون يمنيات

30

ويتسللون عندنا نحن شعب واحد وهوية واحدة..

ههههههه!!!

عندها شعر المصري بأنه في موقف لا يحسد عليه فهو متهم

بالتهريب على حدود دولة عربية ب شعبين تربطهما أواصر القرابة

وهو الطرف الوحيد الغريب بينهم والمفارقة أنه هو الوحيد الذي لم

يشترك في أي جريمة سوى حسن النية ومحاولة المساعدة

للآخرين......!!!!

كانت عربة الترحيلت الكبيرة ذات صوت المحرك الضخم تتحرك

بهم كالسلحفاة شاقة طريقها نحو منطقة جوازات جيزان بينما يقبع

المرحلون على أرض الحافله وعلى الكنب المعدني الطويل وقد

جلسوا في وضع القرفصاء جميعا يتهازون على اهتزاز العربة وعلى

أصوات المطرب الذي يغنى أحيانا ويلقى الشعر النبطي أحيانا

أخرى.....جلس أحمد يستمع إليه ويحاول الاندماج في هذا الوضع

الراهن فربما يهون عليه ماهوفيه وهو حقا لايملك أن يفعل شيئا

سوى الانتظار فقد نفذت بطارية هاتفه الجوال ولايستطيع إجراء

32

أي مكاماات ليخبر أي أحد بفعل أي شيء....ماهذا الحظ العابث

كل الأمور تتأزم في وقت واحد !!!!؟؟؟

حسنا لابأس.. جيد جدا إنهم يبيحون حمل المحمول في تلك

الظروف فقد أخذوا منه مفاتيح السيارة وأوراق الهوية وتركوا معه

هاتفه والأموال وكارت الآي تى أم فقط ولكن لابد من شرا ء

شاحن من أي مكان والاحتفاظ به فالأمر قد يطول هنا لبعض

الوقت لا أحد يدرى !!!

وصلت الحافلة أخيرا إلى مقر مديرية الجوازات بإدارة الجوازات

بمنطقة جيزان جنوب السعودية كان الوقت قد قارب على الظهيرة

توقفت الحافلة عند البوابة و مع صوت الحارس وهو يفتح

المزلاج الحديدي عن بوابة السيارة ليطل عليهم من نافذة أخرى

ذات شبكة من السلك المعدني من الإ ستانلس المقوى معلنا

وصلوهم إلى منطقة الترحيلات هلل الحاضرون وكأنما بشروا

بالجنة....!!!....أو ربما لأنهم يبحثون عن شيء يثير بداخلهم الفرح

والسعادة وبشعور لا أراد ى ......وجد أحمد نفسه يبتسم دون سبب

!!!!! أعلن الرقيب المسؤول عن نقلهم ،بوجود كافيتريا لمن يود

33

شرا ء بعض الاحتياجات ونزل الجميع بقاعة الانتظار المغلقة

والمطلة على نافذة صغيرة يتم من خللها التعامل مع

الكافيتريا...ونظرا لأن معظم المرحلين من بسطاء أهل اليمن الذين

لا يحملون للحياة الكثير من المطالب وربما أيضًا الأموال فلم يكن

تكالبهم على الكافيتريا بقدر تزاحمهم على دورات المياه.

وقف أحمد عند الكافيتريا وعندما سمع لهجة شاب مصري بها كأنما

امتدت له طوق نجاة وهو بين  براثن الغرق ردت فيه الحياة من

جديد...!! وناداه بصوت مرتفع كابتن يا هند سة كان هذا الشاب

الأ سمر النحيف الذي يقوم برص العصائر بالثلجة هو الوحيد

الذي التفت نظره لأن هذه الكلمات للمناداة مألوفة لديه من أبناء

بلدته ألقى بنظرة متفحصة على هذا المنادى ونزل من على سلمه

مستغربا...و سائلا إياه...أنت مصري؟

 نعم.

 من أين؟

 إ سكندرية

 ماذا جاء بك؟ انتهاء الإقامة...أم محاولة الهروب؟

34

 لا...تهريب مجهول !!!!

...تراجع شاب الكافيتريا للوراء خطوت ناظرا إليه متفحصا....

بس ده مش شكل مهرب ولا حتى في مصري شغال في التهريب

أنت إيه حكايتك؟ ا ستنى هلف  وأجيلك.

أحضر معه علبتين  من العصير و ندوتشاً وباكوين من البسكويت

وجلس بجواره في الا ستراحة مناولا إياه وهويقول تفضل خذ

تناول هذه لابد أنك من الأمس لم تطعم شيئا....احكيلى أنت

حكايتك إيه؟

كان أحمد جائعا فعلاً فهومنذ فنجان القهوة الذى احتساه مساءً

ببيش لم يتناول شيئاً كما نفذت سجائره أخذ يلتهم ما ناوله إياه وهو

يقص عليه الحكاية منذ ان غادر محطة البنزين وحتى تلك اللحظة

بعد أن أنهى طعامه سأله ما ا سمك ومن أين أنت؟

 أنا يو سف من قنا....الحمد لله إنك لحقتنى أنا نازل مصر

بكره عشان فرحى بقالى هنا 4 سنين ونازل شهرين إن شاء

الله أرجع مالقكش يابوى أنت طيب قوى بس حد يعمل

في نفسيه كده؟ بتركب واحد معاك من غير ما تشوف

35

هويته وبالليل ومن بيش طريق المتسلليين ؟ !!! ربنا يسترها

عليك يولدي والله أنا ما خابر أقولك إيه...بلغت أهلك؟

كفيلك؟

 واالله الموبايل فصل شحن وعاوز شاحن ومعايا فلوس في

الفيزا عاوز أ جيبها تكون في جيبى

 بأعطيك شاحن من عندي لكن اخفيه لأنه ممنوع ولو عاوز

قرشين  أعطيك لكن ما تعطى حد الكارت حقاتك أنت

طيب قوى يابوى لماا يجيلك حد من أهلك أو نا سك اللى

معاك في السكن يبقوا يروحوا يسحبولك بس غير كده

لع...ربنا معاك ياولدي أ سيبك دلوقت وأعطيك الشاحن

من الشباك اخفيه زى مافهمتك!!

 تنفس أحمد الصعداء بعد أن وجد طريقا للوصول إلى

زملائه وكفيله راجيا من الله أن ينقشع هذا الكابوس سريعا

متفائل بعض الشىء بعد لقاء يو سف الصعيدي عيدا

بهويته فهاهى معادن المصري تظهر في الشدائد...أخذ

الشاحن ووضعه في جيبه مسرعا بينما ينادى الرقيب على

المرحلين للاصطفاف لنقلهم إلى عنابرهم بعد صلاة الظهر

36

باقي نصف ساعة عليه....... قضاء حاجته والوضوء وشرا ء

بعض الاحتياجات من الكافيتريا سلم على يو سف وشكره

على موقفه حيث رفض أخذ ثمن المشروبات والعصائر

والسجائر ولكن أحمد صمم أن يأخذ رقم هاتفه بمصر

وبالسعودية لعله يستطيع أن يرد له هذا الجميل يوما ما أومأ

برأ ه الشاب الصعيدي ممتنا له وقائل في نهاية حديثه لا

تتعشم بأن تخرج من هذا الموقف في أفضل الأحوال غير  بنفسك

سليما ويكتفون بترحيلك إلى مصر بدون سجنك واحمد ربنا

لوجت على قد كده... أنا بعرفك عشان محدش يغشك ولا

يغفلك يابوى أيوه !!!..ربنا معاك!!!! كان وقع كلمات

يوسف علي ا ذن أحمد المصري كالصاعقة أو كتنفيذ حكم

الإعدام على شخص لم يرتكب جريمة فكيف.. يسدد ديونه

؟! وكيف يعود إلى مصر ب"خفى حنين " ؟! وماذا يقول

لأهله وهو لم يكمل العام؟؟ !!!!بينما تجول بذهنه كل تلك

الأفكار وإذا بأذان الظهر يرفًع ويعلن المؤذن... الله

أكبر.....الله أكبر... كرر الشاب المصرى نطق الحق...ودع

37

أحمد الشاب الصعيدي وذهب إلى الصلة مع المرحلين في

...قاعة الانتظار.

***

بعد انتهاء المصلين من أداء صلة الظهر نادى الرقيب على

المحتجزين للاصطفاف ثانية وإعطاء التمام عندها شعر أحمد لأول

مرة... نفسه محتجزا.ً... ربما بعد ما سمعه من يو سف القناوى

أوربما بعد أن اتضحت الصورة في ذهنه أكثر وبأنه ليس حلما ولكنه

واقع...بدأ الرقيب ينادى على الأشخاص من ذوى الجنسيات

الأخرى من غير اليمنين من سوداني وأثيوبي وصومالى وبالطبع لم يكن

بينهم مصري غيره حتى الآن وقرب صلة العصر كان قد حان

دوره للتحقيق!!

عند دخوله على الشرطي انتظر واقفاً ممسكاً بيده حقيبة بل تيكية

بها بعض الأطعمة والمشاريب...أخذ يتفحصه الضابط ويتفح

الأوراق التي أمامه برهة من الوقت قبل أن يأذن له بالجلوس بادئا حديثه

بحضورنا نحن نقيب \ أحمد بن على الفقيه

38

ملزم أول \ عبدالرحمن الم الشهري

ملزم أول \مشاري بن ذعار العتبى وبحضور سكرتير اللجنة

الرقيب أول\حسن حسين الحازمي اجتمعت اليوم السبت الموا فق

2341\ طبمقر إدارة الوا فدين بجازان وذلك للنظر في القضية \3\ 12

المحالة من إدارة الوا فدين بجازان والمتعلقة بالوا فد المصري \ أحمد

خالد المصري رقم هوية 41367926344 وا م كفيله \ محمد

عبد الناصر المريع وذلك لقيامه بنقل شخص مجهول الهوية لا يحمل

إثبات الهوية والذي قدم إلى المملكة عن طريق التسلل بطريقة غير

مشروعة ويدعى\ عبدالله محمد على يمنى بدون هويه وبناء عليه

تم فتح التحقيق وجاء فيه ما يلى:

بتوجيه السؤال للمصري:

س: هل تعرف الشاب اليمنى الذي كان يركب معك السيارة؟

ج: لا

س: لمااذا أركبته سيارتك؟

ج:ا توقفنى في الطريق في محافظة بيش أمام محطة البنزين عند

عودتي من العمل

39

وطلب منى توصيله إلى الدرب وأخبرني أنه من الدرب وأنه

سعودي

س: هل تقوم عادة بنقل الركاب بمقابل أجر مالى أثناء عملك؟

ج:لا، لكن الوقت كان متأخرا وقد تطوعت بهذا العمل وده حق

الطريق!!

س: من أين ركب معك اليمنى؟

ج: من بيش؟

س: هل سألته عن هويته؟

ج: لا

س: هل تقاضيت أجرا عن التوصيل؟

ج: لا

س: ما أقوالك في إدعاء اليمنى أنك حصلت على 500 ريال

سعودي منه جراء اتفاقه معك على نقله من الصامطة إلى الدرب؟

ج: لا لم يحدث هوكاذب هوادعى ذلك لأنى ضربته في غرفة

الاحتجاز وا سأل الشيخ اليمنى..!!!

س: أى شيخ يمنى؟

ج: الذي شهد الوا قعة هو قال إنه يشهد معي

41

س: ما ا سمه وأين هو؟

ج: لا أعرف.... لا أعرف ا سمه؟ !!كان معي في عربة الترحيلت

س: هل لديك أقوال أخرى...

ج: أريد أن أكلم السفير المصري والقنصل والكفيل بالشركة

ضحك الشرطي.... متهكما ألا تريد أن تكلم الجماعة في مصر -

كمان تطمنهم.... ألا.. صحيح ...إحنا اتصلنا بكفيلك وتنصل

منك وطلب التحفظ عليك لحين مراجعة مديونياتك لدى العملاء

ومطابقاتها مع الأرصدة بالشركة وبالنسبة لليمنين اللى كانوا معك

في الترحيلت زمانهم وصلوا دلوقت اليمن وأنت لو تعرف ا سم

واحد منهم قوله واحنا نشوف كلمك صح ولا إيه....

بدا الذهول والدهشة على أحمد المصري..........

أتم الشرطي حديثه.....تم إغلق المحضر بمعرفتنا لحين ا ستكمال

ا ستجواب الكفيل

قام أحمد من أمام الشرطي بعد استجوابه وهو يشعر بمرارة في

حلقه تكاد تجعل فمه يابسا لا يقوى على تحريك لسانه من شدة

الجفاف بينما ينهمر العرق من جبهته كالسيول المطيرة قام محاو ا لا

أن يلتقط أنفاسه ويستجمع قواه وهو يبلل طرف شفتيه بلعابه بينما

40

شعر بقواه خائرة وبرودة في أطرافه والغرفة تدور من حوله ليسقط

مغشيا عليه.

بعد أن ا تفاق من إغماءته وجد نفسه محاطاً بجمع من الرقباء داخل

غرفة الطبيب المناوب بمستشفى جيزان وقد بدا عليهم التحفز

والترقب والقلق وبعد حديث مع الطبيب الهندي الذي سأله عن

تناوله بعض أنواع معينة من العلاج أو أن لديه أمراض مزمنة

تستدعى الرعاية فأجابه المصري بلا... وقع الطبيب الهندي على

بعض الأوراق وقاموا بالفور بأخذه ثانية إلى مقر إدارة الجوازات

ولكن هذه المرة في سيارة الدورية الراكبة وبينما هم في الطريق إذ

يبادره الرقيب وقعت قلبنا يامصرى إنتو كده يامصرييين فكرناك

مبلبع حاجه عشان تتحجز فى المستشفى وتهرب من

هناك....ههههههه... قبلك من شهر كان فيه مصري كلنا كنا نحبه

ويصادق الجميع كان ظل عندنا عام كامل كان صعيدي من سوهاج

وا ماا طال انتظاره قطع شرا ينه عشان يجيب لينا مصيبة أخذناه

بالطيارة إلى الرياض عشان نلحقه بمعجزة....والله إنكم يا

مصري قلبكم ميت... والله يصعب توقعكم نحنا من يومها.....

والله..... ما نخاف إلا من المصري.... ههههههههههه خذ ولع

42

سيجارة واطمن بس حاول أنك تشوف معقب يسويلك ورق

خروجك مع كفيلك....تعلم شيئا أنت والله عاجبنى تبغى تعاود

مصر وأنت مسوى مخالفات مالية مع العملاء حق الشركة وتبغى

تأخذ حقك من كفيلك بإيدك ومعاك فلوس من تحصيلات العملاء

ففكرت إنك تسوى مشكلة مع كفيلك عشان يروحك ويسامحك

في الفلوس اللي معجزة... ههههههههه... حلوة.....ملعوبة..!!

بس تهريب مجهول هذه مشكلة كبيرة !!!!

 يا سيدى الفاضل والله ما هربت حد ولا أعرف هويته ولا

جنسيته؟

 عاوز تقنعنى أنك ركبت معاك واحد من الطريق في وقت

متأخر الساعة إحداش مساء وما فكرت تقوله أعطينى

هويتك ؟....كم لك في السعودية ؟

 ستة أشهر.

 يعنى ما إنك جديد!!!! يعنى ليك أصحاب مصريين تعيش

معاهم ويخبرونك كيف الحال

والله إنك يامصرى ما تخيل على.. بس أقولك شيئا.... ملعوبة!!!!

هههههههه!!!!!

43

أخذ يفكر أحمد في قرارة نفسه...ليس حقا أن الظلم هوأ سوأ شعور

يمكنك أن تشعر به ولا الحظ العاثر وإنما تلك...القناعة.. المتولدة

عند من يحكم عليك تلك القناعة التي تؤدى به إلى الحكم عليك

والتي تجعله يطمئن إلى ما قام به من قرارات وأحكام وهي قناعة قد

تتولد نتيجة خبرات سابقة أو تراكمات لتر سيبات ذهنية قد يكون

بعضها صوابا وبعضها خطأ أو حتى غشاوة على الأبصار أو قساوة

في القلوب.. .ولكن لابد أن كلام هذا الرقيب لم ينتج من فراغ

فهوبالطبع قناعة جهات التحقيق !!!!

بعد وصولهم إدارة الجوازات اصطحبه الرقيب إلى أسفل المبنى

حيث تقع قاعة الحجزالخاصة بإدارة الجوازات وهي عبارة عن

بدروم به عدة قاعات بعضها مخصص للحريم وبعضها مخصص

للرجال تم اقتياده إلى قاعة كبيرة تبلغ مساحتها حوالى المائتين متر

لها نافذة عريضة بعرض الحائط مغطاة بالحديد والسلك الشائك

وبالكاد تلامس قاعدتها حافة الطريق خارج المبنى لتطل على

حديقة المبنى وتعلو مرتفعة كأنما هي شق في سقف الحجرة بطوله

يعلوها شفاطات هواء ضخمة بطول الجدار والحجرة ممتلئة عن

44

بكرة أبيها بالموقوفين من جنسيات مختلفة بتهم مختلفة

وحكايات مختلفة.....!!!!!!

وقأ أحمد المصري مذهولا متعجبا يحاول أن يرى في وجوه

الجالسين أحدا تبدو عليه ملمح المصري أو يسمع لهجة أحدهم

فيعرفها حتى قدم إليه أحدهم قائل مرحبا بيك يا ريس.... أنت

مصري؟

ومرة أخرى تعود الروح إلى أحمد ويسترد نفسه... أخيرا وجد أحدا

من بلده !!! وكأنما عاد إلى أرض الوطن

* * *