مقادير عجينة الشو لعمل (البروفيترول)/الهرم المصرى نيوز

 

(بقلم: آية أيمن مسعود) 

كنت صغير ساعتها يوم ما ابويا ضرب امي عشان فيه مشكلة حصلت بينهم مظنش انها كانت تستاهل كل ده. امي كانت عمالة تعيط وتصرخ وتقول مش همشي غير وانا معايا عبد الرحمن ابني.وفضلت تحضن فيا ودموعها مغرقة وشها،وانا بعيط على عياطها ومش عاوزها تمشي وتسيبني ومكلبش فيها. 

ابويا موتها من كتر الضرب وشخط فيها ورماها بره البيت. 

كان  عندي خمس سنين في الوقت ده، عارفين يعني إيه طفل يشوف ابوه بيضرب امه قدام عينيه وبيبعدها عنه!! احساس صعب انا حسيته وعيشته للأسف. 

ابويا بعت لعمتي سنية من العزبة  تقعد معايا حكم انها مش بتخلف   ، قعدت الليل كله اعيط واحضن نفسي بدراعي، جت عمتي طبطبت عليا وقالتلي بكل طِيبة: متزعلش يا عبدو يا حبيبي، هخلي ابوك يرجعلك امك بس بطّل عياط. 

مسحت دموعي بكُمي وابتسمت وقولت: بجد يا عمة!؟ طب انا عاوز اشوفها دلوقت، هي وحشتني اوي. 

خدتني في حضنها وقالت: بكرة هجبهالك يا حبيبي، بس لازم تنام دلوقت، الشُطار لازم يناموا بدري. 

نمت في حضنها بس محستش بالدفء اللي كنت بحسه وانا في حضن امي. ومَن مِثلك يا امي!! 

تاني يوم صحيت وقعدت منتظر عمتي تِفي بوعدها ليا وتجيبلي امي، عمتي استغلت مرواح ابويا الشغل وبعتت لأمي تشوفني، سمعتها  بتقولي: عبدو، امك جت اهي. تعالى شوفها. 

طلعت اجري بكل شوق وسعادة وكأني مشوفتهاش من سنين حضنتها بكل شوق وحب

قالتلي بدموع: عامل إيه يا ضنايا، نمت كويس!؟ 

 فقولتها بعياط: انا مش بخير، مش بحس بالدفء غير في حضنك. متسيبينيش تاني، ابقى خوديني معاكِ. 

هزت راسها وقالت: من عنيا يا نور عيني. 

امي اتحايلت على عمتي وقالتلها بتوسل: عاوزه اخد ابني معايا يا سنية، عشان خاطري. 

عمتي سنية فكرت شوي وبعدين قالت لأمي: يا وردة ما انتِ عارفه اللي فيها، لو أخدتي الواد اخويا هينشٌّف دماغه اكتر وهيفضل وراكِ لحد ما ياخده منك. اصبري بس وانا هفضل وراه لحد ما ألين دماغه وهخليه يرجعك، عارفه انك مخنوقة من اخويا بس معلش ارجعي عشان ابنك ضناكِ. 

امي هزت راسها بإستسلام وبعدين ودعتني ومشيت. 

امي كانت اسم على مسمى وردة وهي وردة مفتحة جميلة جمال ، بس الزمن والحزن خلوا ملامحها تبهت وكبرت ضعف عمرها. مقطوعة من شجرة اهلها ميتين ومعندهاش اخوات، ولما ابويا ضربها عرفت بعد كدا انها كانت بتقعد في بيت اهلها القديم. 

اول ما ابويا رجع من الشغل عمتي قعدت معاه تحاول تلين دماغه حكم هي بتعرف تقنع اللي قدامها بأي حاجة هي عوزاها ودي من مميزاتها. وكمان هي بتعرف تتكلم كويس ومتعلمة. 

قالت لأبويا: بقولك يا ياسر يخويا الواد عبدو الليل كله بيعيط ومنامش، ولا بياكل ولا بيشرب، بيني وبينك الواد مش قادر يبعد عن  حضن امه عنده حق برضوا دي امه. 

ابويا اتعصب وقال: إيه لازمته الكلام ده يا سنية، هتقرفيني بكلامك ده ارجعي بيتك. 

براقبهم من فتحة باب اوضتي، عمتي قربت من ابويا وطبطبت على كتفه وقالت: فاكر يا ياسر زمان واحنا صغيرين كان عندنا قطة مخلفة قطة صغيرة، في يوم القطة الصغيرة دخلت المجاز ونسيت وقفلت عليها الباب، طول الليل امها تموء وانت عارف بقا صوت القطط اكن طفل بيعيط كدا وبيستغيث باللي حواليه، مبطلتش مواء غير لما قومت طلعت بنتها من المجاز والقطة الصغيرة تتمسح في امها، دول حيوانات وعندهم عواطف ومشاعر فما بالك بينا احنا البشر! 

ابويا تجاهل كلامها وقال: برضوا مش هرجعها. 

عمتي قالت بإندفاع: وبعدين فيك يا اخي؟ دا انت شخصية صعبة ومتتعاشرش، وردة استحملتك وعاشت معاك ايام صعبة كتييير وبرضوا مش مقدر كدا، مش عيب تمد ايدك عليها وتبهدلها بالشكل ده وقدام ابنكم كمان!! 

تهين كرامة امه قدامه، دا لما يكبر هيمشي موطي راسه في الارض، مش بعيد يبقى زيك. 

يا اخي ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء، دي ولية غلبانة ليه تظلمها وتيجي عليها، رفقا بالقوارير، النساء اتوصفت بالقوارير لرقتها وسهولة كسرها. 

انت كدا بترفق بقارورتك؟؟ 

دا الرسول قال استوصوا بالنساء خيرا. بضربك لمراتك كدا عملت بوصية الرسول؟؟ 

فوق يا ياسر لنفسك واعتذر لمراتك متخسرهاش، رجعها وربوا ابنكم سوا وخلي فيه بينكم مودة ورحمة. انت غرقان في نِعم الله اشكره وكفاية سخط وعصبية.

مظهرش اي رده فعل من ابويا، بس كل اللي حصل انه ساب عمتي ورجّع امي في نفس اليوم

اخدت امي بالحضن وكنت طاير من السعادة واليوم ده فضلت تحكيلي حواديت كتير وغمرتني  بحنانها وحسيت ان الدنيا ابتسمتلي بعودة امي وحضنها ليا لأنها كانت الامان بالنسبالي. 

تاني يوم سمعت عمتي بتسأل امي عن ازاي ابويا رجعها! 

ف أمي قالت: هو قالي ارجعي لإبنك بس مقالش حاجة تاني، فرجعت. 

ابويا كان مستحيل يتأسف حتى لو كان غلطان لأنه شايف ان كدا ضعف مش قوة ودا غلط. 

جه اليوم اللي المفروض يقدمولي فيه للمدرسة، ابويا قال: عبد الرحمن مش هيتعلم، عبد الرحمن هيشتغل في الارض. انا مش معايا فلوس للعلام. 

امي عيطت ساعتها وقالت بحسرة: وبعدين يا ياسر!!! انا استحملتك كتييييير.. 

انا استحمل اي حاجة إلّا ان ابني ميتعلمش. 

وفي نفس اللحظة خلعت الحلق بتاعها وباعته وبفلوسه قدمتلي في المدرسة، كانت طول النهار بتشتغل في الارض وتيجي بالليل تبقى هلكانة، كانت تقولي بتعب عشانك، شد حيلك عشان تبقى الدكتور عبد الرحمن. 

كنت بذاكر وبجتهد وبطلع من الاوائل كل سنة كانت بتفرح اوي والدنيا مش بتبقى سيعاها. 

كبرت ورغبتي في اني ابقى دكتور بقت تكبر معايا، مش هنسى ايام الثانوية واعدادي وتشجيع امي ليا،وسهرها جمبي ودعواتها ليا،كانت بتحبني اوي وبتعشق التراب اللي بمشي عليه، ابويا وامي كانوا ساعات بيتخانقوا وتحصل بينهم خلافات ومشاكل زي اي اسرة بس امي كانت بتصبر وتعدي عشاني. 

يوم النتيجة جبت مجموع دخلني طب مستريح،امي فضلت تزغرط والفرحة مكنتش سيعاها، امي باعت جزء من ارض ابوها عشان اكمل تعليمي   وطول مسيرتي في الدراسة امي جمبي، كانت النور اللي بينورلي طريقي، والبهجة اللي مالية حياتي. ودعواتها بترافقني، كان بينا رابط قوي اوي بيربطنا ببعض. 

لحد ما في يوم اكتشفت ان امي عندها ورم في المخ ومخبية عليا، شوفت الاشعة والتحاليل قدرًا،وافتكرت لما كانت بتدوخ وكانت تكدب عليا وتقول دي دوخة بسيطة وهتروح لحالها وانا مغفل صدقت.

 ولما سألتها ليه خبيتي عليا؟! 

قالتلي  بعياط: عشان مش عاوزه اوجع قلبك عليا. 

خدتها في حضني وبكيت،قولتلها ليه بس كدا يا امي!!

 احساس انك بتحب حد اوي وفي لحظة تحس ان حياته في خطر دا احساس قاسي وصعب اوي. 

طلعت بيها على اكبر الدكاترة، بس للاسف الحالة كانت متأخرة وفات الآوان لإنقاذها. 

قالتلي انا نفسي احج، وفعلا طلعنا نحج وماتت  هناك، 

ماتت ام عبد الرحمن، واتدفنت هناك كانت عوزاها ونالتها، تموت في بلد رسول الله، الحزن سكن قلبي وعشش فيه ، كنت بموت من حزني عليها وعلى غيابها، بس اللي صبرني انها استريحت من المرض. 

كانت تجيلي في المنام وتقولي انا تعبت عشانك كمل يا عبد الرحمن متقفش. 

كنت كاتم جوايا كتييير، وافضل وسيلة اعبر بيها عن اللي جوايا هي الكتابة، بقيت اكتب واكتب لحد ما لاقيت نفسي كتبت كتاب من كل قلبي بتكلم فيها  عن أمي،وقد إيه هي ست عانت في حياتها وطلعت دكتور زيي،امي ست مثالية يُفتخر بيها،عكس والدي اللي عمره ما وقف جمبي ولا حاول حتى. وكتبت اهداء عن امي في اول الكتاب،وفي كل كتبي العلمية اللي كتبتها كتبت فيها اهداءات وقصايد ل أمي. 

الكتاب اتشهر وماشي دلوقت في الطبعة ال20وطلعت كمان  على التليفزيون نورت الشاشة، سألوني عن سر نجاحي وكان ردي: 

«وراء كل رجل ناجح أم قدوة ومربية ومضحية، انا بفضل الله نجحت بسبب امي، كل انجاز عملته ووصلتله كانت امي الداعم ليا فيه، باعت حلقها عشان تدخلني المدرسة واتعلم، تعبت وشقيت عشاني، باعت الارض عشان ابقى دكتور ملو هدومه  زي ما انا قدامكم دلوقت، ودلوقت عندي عيادة كبيرة كمان ومن اشهر الدكاترة في مصر، كان نفسي امي تكون معايا انهاردة وانا على التليفزيون والدنيا كلها شيفاني، عبد الرحمن ابن ورد بقى  دكتور وكاتب ». 

علا التصفيق وتم تكريمي بشكل لطيف يليق بي. 

انا دلوقت بكتبلك قصتي وانا في احدى المؤتمرات الدولية، ويُشار إليّ بالبنان. كل الشكر والحب لكي يا امي، رحمكِ الله وجعلك من اهل الفردوس الأعلى. لن انساكِ ابدًا ابدًا، ودعواتي وصدقاتي ستغمرك دومًا، الملتقى في جنات النعيم بإذن الله.

#بقلمي_آية_أيمن_مسعود

#دكتور_عبد_الرحمن

#أم_مضحية