عيناك/الهرم المصرى نيوز

 

عندما تهب حياتك لمن لايستحق، ويفاجئك القدر بصفعة في القلب لا تتخيل أنها تحدث معك، الوجع الاكبر أن يأتي ذلك الوجع من الذين أهديتهم حياتك.

 في الواحدة بعد منتصف الليل وفي عز الشتاء القارس كنت عائد من عملي، فاجئني القدر بجاري الوقور  عم " أمين الملاح"، رجل يبلغ من العمر الستين تقريبًا، لايُعرف عنه إلا كل خير، بشوش، كريم، رحيم، طيب القلب، عشري للحد الذي يشعرك أنه جزء منك، ما أثار الحزن لدي أنني وجدته ينام أمام أحد المحلات بالقرب من منزله، تعجبت جدًا لما عليه من حال !، حتی أنني ظننت في بداية الامر أن أحد ما يشبهه، ولكنني عندما سمعت صوت سعاله القوي تأكدت أنه هو، كان نائم يفترش كرتونه رثه تحت جانبه، وكأنه يتشبث بها من صقيع البلاط، ململم نفسه حتی أن ركبته ملتصقة بذقنه من شدة البرد ملتفحًا بالسماء لا غيرها، صدمت لذلك الحال وخاصة أنه فقد كثيرًا من وزنه بعد وفاة زوجته الست أم "قاسم" رحمها الله، لم أشعر إلا وأنا أخلع معطفي لأغطيه به، سألته في حزن شديد عن حاله، ما الذي جعله ينام بالشارع في هذا الوقت المتأخر والجو بهذه البرودة، أجابني وكأن قلبه ينزف دمًا علی هيئة وجع.

ـ لا عليك ياولدي، اصعد من البرد وخذ معطفك معك حتی لا تقلق أهلك عليك .

ـ بالله عليك ياعم " أمين "، أخبرني ما الذي حدث معك حتی تنام هنا وبهذه الطريقه؟، هل حدث شيء لقاسم وأولاده؟.

أنفجر العجوز بالبكاء وكان الوقت يزداد برودة؛ لدرجة أنها كانت تمطر السماء حبات من الثلج،  هذا هو الشيء الوحيد الذي كان عادلًا فيه الليل والشتاء مع هذ العجوز، ذلك اللون الثلجي الذي يعتلي شيبة رأسه .

ـ  بالله عليك يا عم، أهدأ ولا داعي للبكاء أخبرني فقط ما الذي حدث، وكيف وصل بك الحال إلی هذا؟! .

أبتلع العجوز لعابه ومسح ذلك الشلال المتأجج من عينيه العتية بطرف جلبابه، وكذلك أنفة الذي أصبح كحبة"الطماطم" من ماهو عليه من حال مؤسف، ثم واصل قائلًا:

ـ من يوم أن ماتت الحاجه "صديقة"، وأنا حالي يرثی له من تلك المعاملة القاسية التي القاها من زوجة أبني، ولكنني أتحمل كل هذا دون أن أنبث بكلمة واحدة حفاظًا علی بيته من الخراب، ولكن.................... .

ـ ولكن ماذا يا عم ؟!، بالله عليك كف عن البكاء وأخبرني. 

ـ ولكن لن استطيع أن أتحمل أكثر من هذا، وخاصة بعد تلك المشاجرة التي أندلعت بينهما، سمعتها وهي تخيره بينهم وبيني .

ـ وماذا فعل قاسم ياعم " أمين"، من أختار إذًا ؟ .

عاد العم "أمين" إلی البكاء وهو يقول:

ٓـ كما يقولون ياولدي (الجواب باين من عنوانه) .

اصيب"شهاب" بالخرس من الصدمه، ثم عاد سريعًا يتسأل؟،

ـ هل وافق "قاسم"  علی القائك بالشارع ياعم " أمين "، كيف هذا؟!.

ـ نعم وافق ..... أحاول أن أعذره يابُني، فأمرأته جباره والله هو المنتقم من كل ظالم.

ـ تعذره.... هه !، علاما تعذره ياعم وهو أبنك الوحيد وجب عليه أن يحملك فوق كفوف الراحة؟.

ـ هههههه.... ومتی كانت الراحة في الدنيا يا بُني؟!، ومتی كانت؟، آآآآآآه يا "شهاب"، أبني الذي كنيته "قاسم" ليكون قسمتي فی الدنيا وحظي الحلو منها، هو من قسم ظهري وذلني فيها، "حسبي الله ونعم الوكيل" فيه وفي زوجته الذي رضخ لكلامها، "حسبي الله ونعم الوكيل"

ـ أهدأ ياعم " أمين"، قم معي إلی منزلي وفي الصباح يقضي الله أمرًا كان مفعولا.

ـ لا يا ولدي وما ذنبك أنت؟، أذهب وأتركني لحالي بارك الله فيك.

ـ لا...لا لن أتركك، كيف لي أن أتركك والجو يزداد سوء و سعالك يشتد، إين دوائك ياعم "أمين"؟.

ـ نسيته في المنزل، فبعد أن سمعت ما سمعت لم أفكر في شيء، غير أني تمنيت اللحاق برفيقة عمري حتی أرتاح بجوارها ياولدي.

ـ لاتقل هذا ياعم "أمين "شفاك الله وعفاك، إذاً لا عليك سندخل الصيدلية التي أمامنا هذه وتأخذ "جلسة بخار" وسوف تصبح بخير بإذن الله، هيا... هيا....تعال قم معي وأستند عليّ .

ومابين البخار المتصاعد من الجهاز وصوت المطر بالخارج، كان العجوز يلتقط أنفاسه بالكاد وهو يقول:

- عيبي الوحيد أنني أفرط في تدليل "قاسم"، فحصدت ذلك وبالًا عليِّ، ما اصعب ياولدي أن تهب حياتك لأحدهم،ويُفاجئك القدر بصفعة في القلب لا تتخيلها قط، الوجع الحقيقي ذلك الذي يأتي من الذين أهديتهم عمرك دون مقابل، "حسبي الله ونعم الوكيل".

مال العجوز برأسه إلی الجهاز وهو يكررها ، علمت وقتها أن روحه فاضت إلی باريها، ولكن أبنه كيف سيواجه الحياة بعد ذلك العقوق ؟، رحمك الله ياعم " أمين"، ليتها فلحت "جلسه البخار" في أنقاذك ؛ ولكن سكين الحسرة كانت نتيجته أسرع فذبحك دون هوادة . 

بقلم / عائشة العزيزي